من الأرجنتين إلى فرنسا.. كيف تعاملت دول العالم مع عقدة "الإيجار القديم"؟


مصر ضمن تجارب الإصلاح العقاري: دروس من دول أنهت أنظمة الإيجار القديمة

الاثنين 04 اغسطس 2025 | 07:16 مساءً
تعديل قانون الايجار القديم
تعديل قانون الايجار القديم
حسين أنسي

مع توقيع الرئيس عبد الفتاح السيسي رسميًا على تعديلات قانون الإيجار القديم رقم 165 لسنة 2025، ونشره في الجريدة الرسمية، تدخل مصر مرحلة جديدة من تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، في خطوة تهدف إلى معالجة تشوهات عمرها عقود في سوق العقارات، ويُعيد هذا التحرك الجدل حول مدى تأثير تحرير الإيجارات على السوق، وعلى التوازن بين الحق في السكن وحقوق الملكية، وهو نقاش لا يقتصر على مصر فقط، بل خاضته دول كثيرة من قبل، كل منها بسيناريو مختلف.

في هذا التقرير، نستعرض تجارب بارزة من الأرجنتين، والولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، ونقارن ملامحها بما يحدث في مصر حاليًا، ضمن محاولة لرصد الدروس المستفادة من أنظمة إيجار قديمة انتهت، أو تغيرت جذريًا، عبر الزمن.

الأرجنتين: التحرير السريع يعزز السوق لكنه يضغط على الفئات الضعيفة

في خطوة جريئة، ألغى الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي نظام الإيجار القديم بالكامل ضمن أولى قراراته الاقتصادية. وكان الهدف إعادة التوازن لسوق عانى من تشوهات مزمنة.

النتائج:

ارتفع عدد الوحدات المعروضة بنسبة 170% في بوينس آيرس.

تراجعت الإيجارات الحقيقية بنسبة 40% بعد التحكم في التضخم.

وجد المستأجرون فرصًا جديدة بعقود أكثر مرونة، رغم ارتفاع القيم الاسمية للأجور.

لكن قطاعًا من المواطنين شعر بضغط مالي، ما أثار انتقادات بشأن غياب أدوات الحماية الاجتماعية.

الدرس: تحرير السوق السريع يحقق نتائج فورية، لكنه يحتاج إلى مظلة اجتماعية تحمي ذوي الدخول الضعيفة من الصدمات.

كامبريدج وسان فرانسيسكو: إصلاح تدريجي أدى إلى تحسين الثروة العقارية.. ولكن

في مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس، تم إلغاء قوانين تثبيت الإيجارات عام 1994، وفي سان فرانسيسكو، توسعت القيود لتشمل مبانٍ أصغر في نفس العام.

النتائج:

زادت قيمة الوحدات بنسبة 45% في كامبريدج خلال 10 سنوات.

في سان فرانسيسكو، أدت القيود إلى تحويل 15% من الوحدات إلى تمليك، ما خفّض المعروض الإيجاري.

سادت ظاهرة “التهجير العكسي”، حيث غادر المستأجرون القدامى المناطق بسبب ارتفاع الأسعار أو تغيير طبيعة العقار.

الدرس: الإصلاح المرحلي يعزز الثروة العقارية، لكنه قد يؤدي لتقليص فرص السكن المتوسط ورفع التوتر الاجتماعي.

فرنسا: تثبيت الإيجارات قلل الأسعار.. وخفّض المعروض

تستخدم مدن فرنسية كبرى مثل باريس، وليون، نظامًا لتثبيت الزيادات السنوية للإيجارات، مرتبطًا بمؤشر خاص يُعرف بـIRL.

النتائج:

استقرت أسعار الإيجارات، لكن عدد العقارات المتاحة تراجع بنسبة كبيرة.

لجأ الملاك إلى التحايل عبر تأجير الشقق مفروشة بعقود قصيرة، ما أدى إلى أسعار تفوق النظام التقليدي.

أظهرت تقارير أن باريس فقدت نصف المعروض الإيجاري بين عامي 2021 و2024.

الدرس: تثبيت الإيجار ينجح في كبح التضخم السعري، لكنه قد يُشجّع على خلق أسواق موازية تُربك المشهد السكني.

برلين: ثغرات قانونية أفسدت النية

في العاصمة الألمانية، برلين، واجهت السلطات تحديات بعد فرض قيود على الإيجارات. ومع الوقت، بدأ الملاك يعرضون الوحدات باعتبارها مفروشة أو مؤقتة لتجاوز القواعد.

النتائج:

ارتفعت الإيجارات في هذا النوع من العقود إلى أكثر من 30 يورو/م²، مقارنة بـ7.67 يورو في العقارات التقليدية.

أصبحت أغلب القوائم المعروضة تتبع هذا النموذج، ما دفع الحكومة لمحاولة تشديد الرقابة.

الدرس: غياب الرقابة على الالتفاف القانوني يُقوّض أي نظام إصلاحي مهما كانت نواياه.

مصر: إصلاح تدريجي مع ضمانات اجتماعية

بعد مصادقة الرئيس السيسي على التعديلات، تنتهج مصر نهجًا انتقاليًا مرنًا:

سبع سنوات للوحدات السكنية، وخمس للمحلات، كفترة انتقالية قبل تحرير الإيجار.

تحديد القيمة الإيجارية بواسطة لجان محلية وفقًا لموقع العقار وتصنيفه.

توفير بدائل سكنية ودعم مادي للفئات غير القادرة، لحمايتهم من أي تشريد اجتماعي.

الدرس المصري: الجمع بين خطوات تحرير مدروسة وتدابير حماية للفئات الهشة قد يكون المعادلة الأكثر توازنًا في منطقة الشرق الأوسط.

خلاصة: ما الذي يمكن أن تتعلمه مصر من التجارب العالمية؟

التدرج في التطبيق يجنّب الصدمات الفجائية.

توفير بيانات دقيقة وتقييم العقارات محليًا يضمن عدالة التغيير.

مراقبة الثغرات القانونية يمنع خصخصة السوق لصالح فئات أعلى دخلًا.

إدماج أدوات الحماية الاجتماعية يحافظ على التوازن بين الحقوق الاقتصادية والعدالة السكنية.

مع هذه التجارب المتنوعة، يبدو أن النموذج المصري يحمل فرصة للنجاح إذا تمسك بالتدرج، الشفافية، والمسؤولية الاجتماعية، يبقى التحدي في التنفيذ والمتابعة الدقيقة خلال السنوات المقبلة، لضمان توازن لا يهتز بين الاستثمار والسكن الكريم.