حالات الإخلاء المبكر ودور القضاء .. بعد تصديق الرئيس على قانون الإيجار القديم


مصر تبدأ عهدًا جديدًا في إدارة العقارات.. من التجميد إلى التقييم العادل

الاثنين 04 اغسطس 2025 | 05:00 مساءً
الايجار القديم
الايجار القديم
حسين أنسي

صدق الرئيس عبد الفتاح السيسي، على القانون رقم 165 لسنة 2025، الخاص بتعديل أحكام قانون الإيجار القديم للعقارات السكنية وغير السكنية، ليدخل حيز التنفيذ بدءًا من غدًا الثلاثاء 5 أغسطس الجاري. 

ويُعد هذا التعديل خطوة فاصلة في تاريخ العلاقة بين المالك والمستأجر، إذ يهدف إلى إنهاء العقود القديمة التي استمرت لعقود دون تعديل، بما يسمح بتحرير السوق العقارية تدريجيًا ووفق إطار قانوني منظم.

أبرز ملامح القانون الجديد: فترات انتقالية وإجراءات منظمة

تحرير تدريجي للعقود

ينص القانون على منح فترة انتقالية تمتد إلى 7 سنوات بالنسبة للوحدات السكنية، و5 سنوات للوحدات غير السكنية مثل المحلات والمكاتب. وخلال هذه المدة، تطبق زيادات تدريجية على القيمة الإيجارية، قبل أن تُلغى تمامًا العقود القديمة ويُعاد تنظيم العلاقة التعاقدية طبقًا لأحكام القانون المدني.

تقييم جديد للقيمة الإيجارية

تُشكّل لجان محلية في كل محافظة لتصنيف المناطق السكنية إلى "راقية"، "متوسطة"، و"اقتصادية" وفقًا لعوامل متعددة تشمل الموقع، الخدمات، حالة المباني، ومستوى البنية التحتية. وبناءً على هذا التصنيف:

تُرفع الإيجارات في المناطق الراقية إلى 20 ضعفًا، مع حد أدنى 1000 جنيه شهريًا.

في المناطق المتوسطة، ترتفع إلى 10 أضعاف (حد أدنى 400 جنيه).

في المناطق الاقتصادية، 10 أضعاف أيضًا (حد أدنى 250 جنيه).

كما يتم تطبيق زيادة سنوية بنسبة 15% على الإيجار طوال الفترة الانتقالية.

حالات الإخلاء المبكر ودور القضاء

يمنح القانون المالك الحق في طلب الإخلاء المبكر في حالتين محددتين: إذا تُركت الوحدة مغلقة دون مبرر لمدة تتجاوز 12 شهرًا، أو إذا كان المستأجر يمتلك عقارًا آخر مناسبًا للسكن.

 وفي هذه الحالات، يمكن إصدار أمر إخلاء من المحكمة المختصة بشكل عاجل، مع ضمان حق المستأجر في اللجوء للتقاضي لاحقًا.

التزام حكومي بتوفير بدائل سكنية

حرصًا على التوازن الاجتماعي، يتضمن القانون نصًا صريحًا يلزم الدولة بتوفير بدائل سكنية مناسبة للمستأجرين المتأثرين بالإخلاء، خاصة من الفئات الأكثر احتياجًا، ككبار السن، وذوي الإعاقة، وأصحاب الدخول المحدودة. وتشمل هذه البدائل وحدات إيجار أو تمليك، تُخصص وفقًا لمعايير تضمن العدالة وتمنع التشرد.

إعادة تقييم الثروة العقارية: من الجمود إلى التحرير

عقارات مجمدة تتحول إلى أصول منتجة

لأكثر من ثلاثة عقود، ظلت ملايين الوحدات العقارية مؤجرة بأسعار زهيدة لا تعكس قيمتها الحقيقية، ما أدى إلى تجميد جزء كبير من الثروة العقارية في البلاد. التعديل الجديد يحرر هذه الأصول من القيود القديمة، ويعيد تقييمها بناءً على القيمة السوقية، ما يفتح الباب أمام المالكين لتحقيق عوائد عادلة على ممتلكاتهم.

فرص استثمارية جديدة في السوق العقارية

من المتوقع أن يُحدث القانون دفعة قوية في قطاع العقارات، لا سيما في المناطق القديمة وسط المدن، التي كانت مهملة استثماريًا بسبب ضعف العائد. 

تحرير العلاقة التعاقدية يعزز من فرص التجديد العمراني، ويدفع المستثمرين إلى إعادة تأهيل المباني وطرحها في السوق بأسعار تنافسية.

من المستفيد اقتصاديًا؟

الملاك

أكثر الفئات استفادة من القانون هم المالكون الذين عانوا طويلًا من تجميد القيمة الإيجارية لعقاراتهم، والآن يمكنهم تحقيق عائد اقتصادي حقيقي، سواء من خلال زيادة الإيجار، أو استرداد الوحدة لاستخدامها أو بيعها.

الدولة

تستفيد الدولة من تنشيط السوق العقارية، الذي سينعكس على تحصيل ضرائب أعلى من العقارات التي أعيد تقييمها، فضلًا عن تقليل الضغط على الإسكان الاجتماعي، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في التجديد العمراني.

السوق العقارية

تحرير الإيجارات يعزز العرض المتاح في السوق ويشجع على التنقل السكني، مما يُسهم في حل بعض أزمات الإسكان، وخلق فرص جديدة في مجالات المقاولات، والخدمات، والتمويل العقاري.

التحديات المحتملة: ضغط على المستأجرين

رغم ما يحمله القانون من فوائد اقتصادية، إلا أن هناك مخاوف من تأثيراته الاجتماعية، خاصة على المستأجرين محدودي الدخل الذين قد يواجهون صعوبة في مواكبة الزيادات الإيجارية أو تأمين بديل مناسب. 

وإذا لم تُنفذ آليات الدعم الحكومي بفعالية، فقد تشهد بعض المناطق الشعبية موجات نزوح أو ضغوط اجتماعية تستلزم تدخلاً عاجلًا من الدولة.

استجابة تشريعية لتفادي فراغ قانوني

جاء التعديل في توقيت حساس، إذ كانت المحكمة الدستورية قد قضت بضرورة معالجة أوضاع الإيجار القديم قبل نهاية الدورة البرلمانية في يونيو 2025، وإلا ستُحرر العلاقة التعاقدية تلقائيًا، مما قد يؤدي إلى ارتباك في السوق. القانون الجديد يعالج هذه الثغرة من خلال مرحلة انتقالية منظمة، تضمن التدرج في التطبيق وتفادي الأزمات.

خلاصة التقرير

يُعد تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على تعديل قانون الإيجار القديم خطوة تاريخية نحو تحرير السوق العقارية في مصر، وإنهاء سنوات طويلة من التجميد والإجحاف بحقوق الملاك.

ومع أن القانون يفتح آفاقًا واسعة للاستثمار وإعادة تقييم الأصول العقارية، إلا أن نجاحه مرهون بتوازن التنفيذ، وضمان الحماية الاجتماعية للمستأجرين المتأثرين، وتفعيل آليات الدعم والبدائل السكنية. فالمعادلة الناجحة تتطلب أن يكون التحرير عادلًا، والتنمية شاملة، لا تترك أحدًا خلفها.