قرار ترامب بخفض تمويل مشروعات المياه يهدد أرواح الملايين حول العالم


السبت 19 يوليو 2025 | 06:50 مساءً
أزمة مياه الشرب
أزمة مياه الشرب
حسين أنسي

كشف مسح أجرته وكالة "رويترز" أن قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخفض معظم المساعدات الخارجية الأميركية تسبب في توقف العشرات من مشاريع المياه والصرف الصحي حول العالم قبل اكتمالها، ما يعرض حياة الملايين ممن كان من المفترض أن يستفيدوا من هذه المشروعات إلى مخاطر متزايدة، في ظل ظروف إنسانية صعبة في عدد من الدول النامية.

وأظهر المسح توقف 21 مشروعًا في 16 دولة مختلفة، وفق ما أكدته مصادر مطلعة ووثائق رسمية، مع توقف أعمال البناء وترك المعدات ومواد البناء دون حراسة، ما أدى إلى حرمان ملايين الأشخاص من الحصول على مياه شرب نظيفة ومرافق صرف صحي آمنة كانت الولايات المتحدة قد وعدت بتوفيرها.

وفي مالي، توقف العمل في أبراج المياه التي كان يفترض أن تخدم المدارس والمراكز الصحية، بينما شهدت نيبال توقف أعمال البناء في أكثر من 100 شبكة مياه شرب، تاركة آلاف الأكياس من الأسمنت وإمدادات السباكة دون استخدام، ما دفع الحكومة النيبالية للتعهد باستخدام أموالها الخاصة لاستكمال هذه المشروعات رغم التحديات الاقتصادية.

وفي لبنان، تسبب إلغاء مشروع للطاقة الشمسية كان يهدف إلى توفير الطاقة لمرافق المياه في فقدان نحو 70 شخصًا لوظائفهم، بينما باتت هذه المرافق تعتمد مجددًا على الديزل ومصادر طاقة مكلفة، في ظل أزمة اقتصادية متصاعدة تشهدها البلاد.

أما في كينيا، فقد أصبحت المجتمعات المحلية أكثر عرضة للفيضانات نتيجة توقف العمل في قنوات الري غير المكتملة، ما يهدد المحاصيل الزراعية والأمن الغذائي في هذه المناطق، بينما تشير تقديرات محلية إلى أن تكلفة الحد من هذه المخاطر تتجاوز القدرة الاقتصادية للأهالي، حيث تصل إلى ضعف متوسط الدخل السنوي للفرد.

ولم يتوقف تأثير القرار الأمريكي عند هذا الحد، بل شمل أيضًا توقف شحنات مساعدات غذائية وطبية كانت قادرة على إنقاذ الأرواح، ما أدى إلى حالة من الفوضى أثرت على الجهود الإنسانية حول العالم، حيث حذر تقرير نشر في مجلة "The Lancet" الطبية من أن هذه التخفيضات قد تؤدي إلى وفاة نحو 14 مليون شخص إضافي بحلول عام 2030.

انقسام داخلي حول القرار

وفيما ترى إدارة ترامب ومؤيدوها أن أموال دافعي الضرائب يجب أن تُستخدم لصالح الأمريكيين في الداخل، يؤكد المدافعون عن استمرار هذه المساعدات أن الولايات المتحدة ساهمت عبر هذه المشروعات في تحسين حياة عشرات الملايين من الناس حول العالم، بتقليل وفيات الأطفال الناتجة عن الأمراض المنقولة عبر المياه، وزيادة فرص الفتيات في التعليم، وتقليل احتمالات انخراط الشباب في الجماعات المتطرفة نتيجة تردي الأوضاع المعيشية.

وأشار جون أولدفيلد، المستشار والمدافع عن مشاريع المياه، إلى أن هذه المشروعات لا تقتصر على توفير المياه فقط، بل تمثل وسيلة لحماية الأطفال من الأمراض القاتلة، وتمكين الفتيات من استكمال تعليمهن بدلًا من قضاء ساعات طويلة في جلب المياه لأسرهن.

ورغم إعادة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بعض التمويل لمشروعات منقذة للحياة مثل محطة تحلية مياه في الأردن، فإن مشروعات في دول أخرى مثل إثيوبيا وتنزانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ظلت متوقفة، مما زاد من معاناة المجتمعات في هذه المناطق.

وفي الكونغو، تحولت أكشاك المياه المهجورة التابعة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إلى أماكن للعب الأطفال، بينما أفادت أسر بأن أبناءهم اختفوا أثناء خروجهم لجلب المياه، في مشهد يعكس خطورة نقص المياه في المناطق التي تمزقها النزاعات المسلحة.

أما في كينيا، فقد تركت أعمال الحفر المفتوحة والمعدات غير المؤمنة خطرًا على الأطفال والماشية، مع تهديدات بتدمير المحاصيل نتيجة الفيضانات المتكررة في غياب استكمال مشروعات البنية التحتية اللازمة.

تخوفات من تأثير سلبي على سمعة واشنطن

وحذرت تقارير من أن توقف هذه المشاريع قد يضر بسمعة الولايات المتحدة، خاصة في المناطق التي تنشط فيها الجماعات المتطرفة، مثل حركة "الشباب" في الصومال، والتي قد تستغل هذه الظروف لتجنيد المزيد من المقاتلين.

وفي كينيا، يطالب المجتمع المحلي والجهات المانحة الدولية بالمساعدة في إنهاء الأعمال المتوقفة بتكلفة تزيد عن نصف مليون دولار، وسط خطط لبيع المواد المتبقية في مواقع البناء لتوفير التمويل اللازم لاستكمال القنوات المائية قبل موسم الأمطار.

ويحذر خبراء إنسانيون من أن هذه الأزمة لا تعني فقط فقدان المساعدات، بل تمثل انهيارًا في جهود الاستقرار والتنمية التي استمرت لسنوات في مناطق هشّة، مؤكدين أن النساء والأطفال يدفعون الثمن الأكبر نتيجة هذه القرارات، في ظل غياب حلول عاجلة لحماية أرواح الملايين حول العالم.