يواجه سوق العقارات التجارية في أوروبا صعوبة في تحقيق تعافٍ ملموس، إذ لا تزال مستويات المبيعات عند أدنى مستوياتها منذ نحو عقد، مدفوعة بحذر المستثمرين والمخاوف من استمرار ضعف الأداء الاقتصادي.
ووفقاً لمسؤول تنفيذي في القطاع، بدأ بعض المستثمرين والبنوك في التخلص من الأصول المتعثرة أو إعادة هيكلتها، رغم استمرار انتشار ما يُعرف بنهج "التمديد والادعاء"، وهو أسلوب شائع يُتيح تأجيل التعامل مع القروض المتعثرة عبر تمديد آجالها بدلاً من الاعتراف بالخسائر، مما قد يؤدي إلى تفاقم المخاطر المالية للمقرضين.
هذا التحول في المزاج العام يُعد تراجعاً كبيراً مقارنة ببداية عام 2025، حين كانت هناك آمال بانتهاء فترة الركود الممتدة منذ الجائحة. إلا أن عوامل مثل السياسة التجارية الأميركية غير المتوقعة، وتفضيل المستثمرين لعوائد أقوى في أسواق أخرى، ورفض البائعين الاعتراف بانخفاض الأسعار، أثرت سلباً على النشاط العقاري.
وأظهرت بيانات مؤشر MSCI أن مبيعات العقارات التجارية في أوروبا بلغت 47.8 مليار يورو في الربع الأول من 2025، وهو ما يمثل أقل من نصف متوسط المبيعات خلال السنوات الثلاث الماضية. كما تشير الأرقام الأولية للربع الثاني إلى مزيد من التراجع، حيث هبط الاستثمار العابر للحدود إلى 17.2 مليار يورو فقط، وهو أدنى مستوى له بين أبريل ويونيو خلال عشر سنوات، بحسب وكالة نايت فرانك.
وشمل التباطؤ معظم القطاعات، من المكاتب المتضررة إلى مراكز البيانات، التي كانت سابقاً محور اهتمام المستثمرين. ورغم ذلك، لا يزال قطاع الإسكان الإيجاري يجذب الاهتمام في ظل محدودية المعروض.
وقال سيباستيانو فيرانتي، رئيس العقارات الأوروبية في شركة PGIM الأميركية، إن السوق يعيش حالياً "ركوداً وليس انتعاشاً"، مشيراً إلى أن الأصول عالقة في السوق، والسيولة شبه معدومة. وأضاف أن بعض القطاعات مثل الخدمات اللوجستية والفنادق تُمثل فرصاً للشراء، بينما تعاني المكاتب خارج المدن ومراكز التسوق القديمة في العثور على مشترين.
وشهد السوق بعض الحالات البارزة، مثل طلب شركة بروكفيلد من حملة السندات إعادة هيكلة قرض مرتبط ببرج "سيتي بوينت" في لندن بعد فشل بيعه بالسعر المتوقع. كما طُرحت ناطحة سحاب "تريانون" في فرانكفورت للبيع، في خطوة نادرة تشير إلى هشاشة السوق الألمانية.
من جانب آخر، تواجه صناديق الاستثمار العقاري منافسة قوية من صناديق الائتمان الخاصة، التي جمعت نحو 39.9 مليار دولار في النصف الأول من 2025، مقارنة بـ20.6 مليار دولار فقط لصناديق العقارات، حسب بيانات Preqin، رغم أن كلاهما يسير في طريقه لتجاوز إجمالي ما جمعه في عام 2024.
وتُظهر الاستطلاعات استمرار التشاؤم، إذ انخفضت ثقة المستثمرين في السوق الأوروبية لأدنى مستوياتها منذ أكثر من عام في يونيو، وفقاً لهيئة INREV، وهو اتجاه مشابه لما يحدث في السوق الأميركية.
وقالت سيسيل ريتوريو، رئيسة الأسواق الخاصة لدى الذراع الاستثمارية لشركة فينيكس للتأمين: "رغم وجود تعافٍ في بعض أجزاء السوق، إلا أن هناك قطاعات تعاني من انعدام شبه كامل للسيولة، ومن المتوقع استمرار الضغوط".
وتُعد ألمانيا، أكبر اقتصادات أوروبا، من أكثر الأسواق تضرراً، حيث تراجعت المبيعات العقارية فيها بنسبة 2% إضافية خلال النصف الأول من العام، حسب شركة CBRE. وقال كونستانتين كورتمان، الرئيس التنفيذي لشركة JLL في ألمانيا: "لن نشهد ارتفاعاً فورياً في حجم المعاملات، ولا توجد مؤشرات لانطلاق نشاط المبيعات حالياً".
ورغم ارتفاع أسعار الفائدة، يرى الخبراء أن احتمال تدفق السيولة من السوق الأميركية المتقلبة نحو أوروبا قد يُنعش السوق الأوروبية. وأشار فيرانتي إلى أن اثنين من عملاء شركته الألمان ألغوا استثمارات مخططة في الولايات المتحدة، وقرروا إعادة توجيه تركيزهم إلى السوق الأوروبية.