قفزة تاريخية ورسوم ترامب الجمركية.. عوامل جعلت الفضة محط اهتمام المستثمرين


الاثنين 14 يوليو 2025 | 10:54 صباحاً
أسعار الفضة اليوم
أسعار الفضة اليوم
أحمد سيد

لطالما تألقت الفضة عبر التاريخ باعتبارها رمزاً للجمال والقيمة، لكنها لم تعد تقتصر على هذا الدور التقليدي، فقد أصبحت اليوم عنصراً أساسياً في قلب الصناعات المتطورة ومحركاً رئيسياً للأنظمة الاقتصادية الحديثة. فهي تدخل في مجموعة واسعة من التطبيقات، بدءاً من رقائق الإلكترونيات، وصولاً إلى الألواح الشمسية، مما يعزز حضورها في مشهد اقتصادي يشهد تحولاً سريعاً.

وتتميّز الفضة بخصائص فريدة تمنحها مكانة مزدوجة: فهي من جهة ملاذ آمن يلجأ إليه المستثمرون في أوقات الأزمات، ومن جهة أخرى مادة أولية حيوية في الصناعات المتقدمة، هذا المزيج يجعل الفضة شديدة الحساسية للتقلبات الاقتصادية، من قرارات البنوك المركزية، إلى التغيرات التكنولوجية الكبرى. كما تتأثر أسعارها بعوامل معقدة تشمل التضخم، أسعار الفائدة، اضطرابات الإمداد، والتوترات الجيوسياسية.

طلب صناعي متزايد

يشهد الطلب على الفضة ارتفاعاً ملحوظاً بفعل الاستخدامات الصناعية المتزايدة، لا سيما في ظل التحول العالمي نحو التكنولوجيا النظيفة. وتبرز الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية كأهم العوامل التي تدفع استهلاك هذا المعدن نحو مستويات غير مسبوقة. ومع أي مؤشرات على نقص المعروض أو اختلال في التوازن بين العرض والطلب، تحتل الفضة موقع الصدارة في سوق المعادن الثمينة.

أسعار قياسية بالفضة

في هذا السياق، قفزت أسعار الفضة إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2011، مدفوعة بشح الإمدادات في سوق لندن. فقد بلغ السعر الفوري 38.47 دولاراً للأونصة، بينما وصلت عقود سبتمبر الآجلة في السوق الأميركية إلى 39.12 دولاراً. ويُعدّ هذا الفارق بين السعرين غير معتاد، وغالباً ما يتم تصحيحه سريعاً عبر عمليات المراجحة، وفقاً لتقرير من "بلومبيرغ".

وسجل المعدن مكاسب تجاوزت 33% منذ بداية العام، متفوقاً على الذهب من حيث النمو النسبي، في ظل تنامي دوره كمخزون للقيمة وكمكوّن صناعي رئيسي في تقنيات الطاقة النظيفة.

وبحسب معهد الفضة، فإن السوق تتجه نحو تسجيل عجز في المعروض للعام الخامس على التوالي.

عوامل الدعم

طارق الرفاعي، الرئيس التنفيذي لمركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، يشير في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى عدة عوامل رئيسية تفسّر أداء الفضة القوي هذا العام، أبرزها:

شح الإمدادات وعمليات البيع على المكشوف، في ظل تراجع المخزونات.

تصاعد الطلب على الملاذات الآمنة، مدفوعاً بالمخاوف الجيوسياسية والتجارية.

حالة عدم اليقين الاقتصادي، مع تزايد المخاوف من التضخم وردود فعل الاحتياطي الفيدرالي.

قوة الطلب الصناعي، إذ يُستخدم نحو 80% من الفضة في مجالات التكنولوجيا، والطاقة الكهروضوئية، والذكاء الاصطناعي، ومكونات السيارات الكهربائية، والتعقيم الطبي.

دعم التكنولوجيا الخضراء، مما يعزز الاستخدام طويل الأجل للفضة.

ويضيف الرفاعي أن السوق مرشحة لمزيد من الضيق، وأن استمرار الطلب قد يدفع الأسعار إلى نطاق يتراوح بين 40 و50 دولاراً، على الرغم من استمرار التقلبات، خاصة وأن سوق الفضة بطبيعتها صغيرة وسريعة التأثر.

تدفقات الصناديق الاستثمارية

تلعب الصناديق المتداولة دوراً مؤثراً في دعم أسعار الفضة، إذ تشير البيانات إلى تدفقات قوية إليها، حيث ارتفعت الحيازات بمقدار 1.1 مليون أونصة خلال يوم واحد فقط، وفق بلومبيرغ. وغالباً ما تُحتفظ بهذه الكميات في بورصة لندن، ما يجعلها خارج التداول الفعلي.

كما أشار دانيال غالي، من "تي دي سيكوريتيز"، إلى أن فرص المراجحة والتغيرات الجمركية تسببت في خفض كبير بمخزونات السوق.

تأثير السياسات والرسوم

راهول كالانتري، نائب رئيس قسم السلع في "ميهتا إكويتيز"، يرى أن التهديدات الجديدة بفرض رسوم جمركية ومخاطر السياسة التجارية الأميركية تدفع المستثمرين نحو الملاذات الآمنة مثل الفضة. كما أن توقعات خفض الفائدة تؤجج مخاوف التضخم، مما يعزز جاذبية المعدن الأبيض.

من جانبه، يلفت أكشا كامبوج، نائب رئيس جمعية السبائك والمجوهرات الهندية، إلى أن الأوضاع الجيوسياسية والاقتصادية دفعت بعض المستثمرين إلى الابتعاد عن الأصول الخطرة وتوجيه استثماراتهم نحو الذهب والفضة.

زخم صعودي مستمر

وفق تقرير لموقع "fxempire"، تستمر الفضة في إظهار زخم صعودي خلال النصف الثاني من يوليو، مدفوعة بتوجه البنوك المركزية نحو السياسات التيسيرية، إلى جانب التوترات التجارية وتطورات أساسيات السوق، مما يبقي الاتجاه الصعودي قائماً، مع ثبات الدعم فوق مستوى 37 دولاراً للأونصة.

اهتمام متزايد من المستثمرين

الخبيرة المالية حنان رمسيس أوضحت في تصريحات صحفية، أن الفضة بدأت تحظى باهتمام أوسع من المستثمرين، خاصة مع ارتفاع أسعارها إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من عقد. وأشارت إلى أن المعدن، رغم وفرة إنتاجه مقارنة بالذهب، إلا أن تحركاته السعرية أصبحت أكثر استجابة لقوى السوق، مدفوعة بالطلب الاستثماري والصناعي معاً.

وترى رمسيس أن الاتجاه المتنامي نحو تنويع المحافظ الاستثمارية، والابتعاد عن الذهب الذي باتت أسعاره مرتفعة للغاية، ساهم في تعزيز جاذبية الفضة. كما استفادت من الترويج العالمي للاستثمارات البديلة، خاصة في ظل استعداد الأسواق لجني أرباح الذهب.

عنصر استراتيجي في الاقتصاد الأخضر

في ظل تسارع سياسات التحول الأخضر عالمياً، تكتسب الفضة أهمية استراتيجية متزايدة، كونها مادة أساسية في تصنيع الألواح الشمسية ومكونات السيارات الكهربائية. هذا الدور الحيوي يجعلها محوراً في التحولات الجيوسياسية المتعلقة بالطاقة والاستدامة، ويمنحها مكانة طويلة الأمد تتجاوز حدود السوق المالية التقليدية.