رغم الاعتقاد السائد بأن الثروة هي مفتاح السعادة، كشفت دراسة حديثة من أستراليا أن السر الحقيقي للرضا النفسي لا يكمن في حجم الدخل، بل في كيفية إدارة المال والتصرف فيه بشكل مسؤول.
الدراسة التي نُشرت في مجلة Stress and Health، أخذت في الاعتبار مستوى الدخل، مما يعني أن الفوائد النفسية ليست حكراً على أصحاب الرواتب العالية. وأظهرت النتائج أن العادات المالية السليمة، مثل الادخار المنتظم وسداد بطاقات الائتمان في مواعيدها، تُعد عوامل حاسمة في تعزيز الشعور بالسعادة وتحسين الصحة النفسية.
عادات مالية تغيّر الحياة
اعتمد الباحثون على بيانات لأكثر من 20 ألف أسترالي جُمعت على مدى عقدين من الزمن، واستخدموا مقياس الصحة العقلية "Mental Health Inventory-5" لتقييم مؤشرات القلق والاكتئاب.
وأظهرت التحليلات أن كل زيادة بنسبة 1% في عادات الادخار ارتبطت بتحسّن قدره 0.475% في الصحة النفسية، بينما أدت زيادة مماثلة في انتظام سداد بطاقات الائتمان إلى تحسّن بنسبة 0.507%، وهي نسب ذات دلالة ملموسة.
الأهم من ذلك أن الدراسة أظهرت أن أفرادًا يملكون دخلاً متماثلًا قد يعيشون مستويات مختلفة تمامًا من السعادة، بناءً على سلوكياتهم المالية. إذ أن طريقة التعامل مع المال، لا مقداره، هي التي تصنع الفرق.
تخفيف الضغط المالي
وتشير الدراسة إلى أن الإدارة الجيدة للأموال يمكن أن تقلل من "الضغط المالي" المرتبط بعدم القدرة على دفع الفواتير أو التعامل مع النفقات الطارئة، وهو توتر مستمر قد تكون له آثار نفسية وجسدية بعيدة المدى.
وشرحت راجابراتا بانيرجي، أستاذة الاقتصاد التطبيقي بجامعة جنوب أستراليا والمشاركة في إعداد الدراسة، أن "الأشخاص الذين يعانون من ضائقة مالية غالباً ما يعجزون عن الادخار أو الاستثمار لتحقيق أهدافهم المستقبلية، ويلجأ البعض إلى الاقتراض لتلبية احتياجاتهم، مما يضعهم في دائرة مفرغة من الديون".
وأضافت بانيرجي: "السلوك المالي السليم ضروري لبناء الأمان والاستقرار على المدى الطويل، فهو يساعد على تحقيق الأهداف، ويعزز الشعور بالاستقلالية، ويقلل من التوتر ويحسّن الصحة النفسية بشكل عام".
نتائج لافتة
وأوضحت الدراسة أن الفوائد النفسية المرتبطة بعادات الادخار كانت أكثر بروزاً لدى الرجال، رغم أن كلا الجنسين سجلا تحسناً في مؤشرات مثل المرونة العاطفية والتفاعل الاجتماعي.
كما بحث الفريق البحثي ما إذا كانت العلاقة تسير في الاتجاه المعاكس – أي أن تدهور الصحة النفسية يؤدي إلى قرارات مالية سيئة – إلا أنهم لم يجدوا أدلة كافية لدعم هذا الافتراض.
رسالة عملية
يأمل الباحثون أن تشجع هذه النتائج الأفراد على تبني ممارسات مالية أكثر وعياً، ليس فقط لضمان استقرارهم المالي، بل أيضاً لتحسين صحتهم النفسية ورفاهيتهم العامة.