في ظرف سنوات قليلة، تحولت جورجيا ميلوني من ناشطة شابة نشأت في أحد أحياء الطبقة العاملة في روما إلى واحدة من أبرز القادة السياسيين في أوروبا، بل وأصبحت وجه القارة الجديد، بعد أن نجحت في فرض نفسها كلاعبة أساسية على الساحة الأوروبية والدولية، في وقت يشهد تراجعاً في ثقة الشارع الأوروبي بحكوماته التقليدية.
أسرار في حياة جورجيا ميلوني رئيسة وزراء ايطاليا
ميلوني، أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في إيطاليا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأت مشوارها السياسي عندما دخلت البرلمان في سن الـ26، ثم أصبحت وزيرة وهي لم تتجاوز الثامنة والعشرين.
وقد واجهت تحديات قاسية في طفولتها، حيث عانت من التنمر والسمنة، كما نشأت في أسرة فقيرة بعد انفصال والديها، واضطرت للعمل في وظائف متواضعة لمساعدة والدتها.
تلك التجربة الصعبة شكلت شخصيتها السياسية، التي عرفت منذ بداياتها بالصلابة والنقد الحاد والإصرار. أسست عام 2012 حزبها "فراتيلي ديتاليا" (أخوة إيطاليا)، الذي حصد 4.5% فقط من الأصوات في انتخابات 2018، لكنه قفز إلى أكثر من 26% بعد أربع سنوات، ما مهد الطريق أمامها لتشكيل الحكومة.
ورغم المخاوف الأولية من توجهاتها الأيديولوجية، سرعان ما أثبتت ميلوني أنها تمثل تياراً محافظاً معتدلاً أقرب إلى النموذج الجمهوري الأمريكي منه إلى الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، حيث تميزت بمواقفها الرافضة للفاشية والعنصرية، ودعت إلى سياسات تؤمن بحرية السوق، وتعزيز الأسرة، وحماية الحدود.
وفي الداخل، سعت ميلوني إلى إصلاح النظام السياسي الإيطالي عبر مبادرة دستورية تهدف إلى تعزيز الاستقرار الحكومي من خلال انتخاب مباشر لرئيس الوزراء، وهي خطوة غير مسبوقة منذ تأسيس الجمهورية الإيطالية الحديثة. كما تبنت سياسة خارجية نشطة، أكدت فيها دعمها لأوكرانيا، وزادت الإنفاق الدفاعي لتتماشى مع متطلبات حلف الناتو.
اقتصادياً، ورثت حكومة تعاني من الدين العام وارتفاع أسعار الطاقة، لكنها استطاعت في فترة وجيزة استعادة الثقة في الاقتصاد، ودشنت خطة شراكة استراتيجية مع الدول الإفريقية تحت اسم "خطة ماتي"، لتوفير الطاقة، وكبح الهجرة غير الشرعية، وتعزيز التنمية في القارة السمراء.
على الساحة الأوروبية، ملأت ميلوني الفراغ الناتج عن تراجع القيادات التقليدية مثل ميركل وماكرون، لتصبح الزعيمة الأكثر قدرة على التحدث إلى جميع الأطياف السياسية، من الليبراليين إلى اليمينيين. ومع تزايد احتمالات عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يبرز دورها كجسر محتمل بين أوروبا والإدارة الأمريكية الجديدة، نظراً لعلاقتها الوثيقة معه ومع كبار المحافظين الأمريكيين.