تراجع الدولار الأمريكي أمام معظم العملات الرئيسية اليوم الإثنين، متخليًا عن جزء من مكاسبه التي حققها الأسبوع الماضي، في ظل تقييم الأسواق للتوجهات الجديدة في سياسة الرسوم الجمركية التي يتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومدى تأثيرها المحتمل على النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم.
الدولار الأمريكي
قد بدأ الدولار تداولاته هذا الأسبوع متأثرًا بتصريحات ترامب يوم الجمعة الماضي، حيث أعلن عزمه على مضاعفة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم لتصل إلى 50% اعتبارًا من يوم الأربعاء، وجاء هذا الإعلان في وقتٍ ردت فيه بكين بغضب على اتهامات واشنطن بأنها خرقت اتفاقًا متعلقًا بشحنات المعادن الحيوية.
وأكدت وزارة التجارة الصينية، اليوم، أن الاتهامات الأمريكية لا أساس لها من الصحة، متعهدة باتخاذ إجراءات صارمة – لم تُحدد بعد – لحماية المصالح الصينية.
مكالمة ترامب والرئيس الصيني
من جانبه، صرّح وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، يوم الأحد الماضي، بأن ترامب والرئيس الصيني شي جين بينج قد يتحدثان هاتفيًا قريبًا، معربًا عن أمله في أن يتم تسوية هذا الأمر.
بالنسبة لحركة العملة، انخفض الدولار بنسبة 0.9% ليصل إلى 142.75 ينًا، ما أدى إلى محو المكاسب التي تجاوزت 1% في الأسبوع السابق.
على الجانب الآخر، سجل اليورو ارتفاعًا بنسبة 0.56% ليصل إلى 1.1411 دولار، وهو أعلى مستوى له منذ أواخر أبريل، بينما تترقب الأسواق قرار البنك المركزي الأوروبي المرتقب بشأن أسعار الفائدة وتوجهاته المستقبلية.
الدولار الكندي
على الرغم من أن كندا تُعد من كبار مصدري الصلب، لم تتأثر كثيرًا بإعلان ترامب، حيث ارتفع الدولار الكندي بنسبة 0.25% إلى 1.3706 مقابل نظيره الأميركي، مسجلًا بذلك أعلى مستوياته خلال ثمانية أشهر.
أما مؤشر الدولار الأمريكي، الذي يقيس أداء العملة أمام سلة من ست عملات رئيسية، فقد انخفض بنسبة 0.52% إلى 98.835، مقتربًا من أدنى مستوياته منذ 22 أبريل.
وعلّق "إلياس حداد"، كبير استراتيجيي الأسواق في مؤسسة "براون براذرز هاريمان"، قائلاً: "سياسات الحماية التجارية الأمريكية ترفع من احتمالية دخول الاقتصاد في فترة ركود تضخمي، وهو ما قد يُضعف الدولار بشكل أوسع".
الركود يلوح في الأفق
يواجه الدولار الأمريكي ضغوطًا مستمرة نتيجة الحرب التجارية المتقطعة التي يقودها ترامب، وقد بدأت الأسواق تشكك في موثوقية الدولار كملاذ آمن، خاصة مع تصاعد التوترات التي أثارت مخاوف من ركود اقتصادي وشيك في الولايات المتحدة.
ومنذ إعلان الرسوم الجمركية في "يوم التحرير" بتاريخ 2 أبريل، خسر مؤشر الدولار حوالي 5%، منها نحو 2% خلال الأسبوعين الماضيين، في ظل تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية على أوروبا ثم تراجعه عنها مؤقتًا.
ورغم هذه الضغوط، استفاد الدولار الأسبوع الماضي من بعض الأنباء الإيجابية، إذ ارتفع بنسبة 0.3% بعد استئناف المحادثات مع الاتحاد الأوروبي، وقرار محكمة تجارية أميركية بإبطال جزء كبير من الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، بدعوى تجاوز صلاحياته.
لكن هذه الراحة لم تدم طويلًا، إذ أعادت محكمة الاستئناف فرض الرسوم في اليوم التالي. وأكدت إدارة ترامب أن لديها خيارات قانونية أخرى لتنفيذ السياسة الجمركية حتى لو خسرت في المحكمة، فيما أشار بعض المحللين إلى أن هذا الوضع يبرز أن هناك ضوابط ما زالت قائمة على سلطات الرئيس.
من جهة أخرى، توقّع "بنك جولدمان ساكس" أن يستمر فرض تعريفة جمركية لا تقل عن 10% على الشركاء التجاريين الرئيسيين، بما في ذلك رسوم خاصة على قطاعات بعينها.
بيع أمريكا
مع تصاعد هذه التوترات، ظهرت ظاهرة باتت تُعرف باسم بيع أمريكا، حيث لوحظ تخارج ملحوظ من الأصول الدولارية بما في ذلك الأسهم وسندات الخزانة، مما يزيد من الضغط على الدولار.
وتُبرز هذه المخاوف بشدة هذا الأسبوع، مع بدء مجلس الشيوخ مناقشة مشروع قانون خفض الضرائب والإنفاق المقترح من إدارة ترامب، والذي يُتوقع أن يضيف 3.8 تريليون دولار إلى الدين الحكومي الأمريكي البالغ حاليًا 36.2 تريليون دولار خلال العقد القادم.
ويُعد المصير المنتظر للمادة 899 من مشروع القانون محوريًا، إذ حذّر محللو "بنك باركليز" من أن هذه المادة قد تُمكّن الحكومة الأمريكية من فرض ضرائب على الشركات والمستثمرين الأجانب ممن يُعتقد أنهم يفرضون ضرائب أجنبية غير عادلة، مما قد يُنظر إليه كسحب لرأس المال الأجنبي من السوق الأمريكية.
على صعيد البيانات الاقتصادية، سلطت نتائج عدة استطلاعات للنشاط الصناعي الضوء على مؤشرات إيجابية في أوروبا، حيث تحسن قطاع التصنيع في مايو، بينما تراجع نشاط المصانع في آسيا.
ومن المتوقع في وقت لاحق من اليوم صدور بيانات مؤشر ISM الصناعي الأمريكي، إلى جانب تصريحات مرتقبة من عدد من أعضاء الاحتياطي الفيدرالي، بمن فيهم رئيسه جيروم باول.
أما في الساحة الأوروبية، فقد تراجع الزلوتي البولندي إلى أدنى مستوياته منذ أسبوعين مقابل اليورو، وذلك بعد فوز السياسي المتشكك في الاتحاد الأوروبي كارول ناوروكي في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، ما أضفى حالة من الغموض وعدم اليقين على المشهد السياسي والاقتصادي في البلاد.