كازاخستان دولة نفطية تواجه تحديات تتعلق بالتزاماتها في تحالف "أوبك+"


السبت 31 مايو 2025 | 08:50 مساءً
كازاخستان وأزمة حقلول النفط مع مجموعة أوبك +
كازاخستان وأزمة حقلول النفط مع مجموعة أوبك +
وكالات

في قلب آسيا الوسطى، تقف كازاخستان أمام معادلة صعبة تجمع بين ماضيها النفطي المزدهر وأزماتها الاقتصادية المعاصرة، فعلى مدى عقود، ساعدت احتياطيات النفط الهائلة والتعاون مع كبرى الشركات العالمية، الدولة على تحقيق نمو اقتصادي كبير، ومع ذلك، فإن كازاخستان تواجه اليوم تحديات حقيقية تتعلق بالتزاماتها في تحالف "أوبك+"، وبتأثيرات العقود القديمة التي أبرمتها مع شركات النفط الكبرى، وكذلك بتقلبات السوق العالمية.

حقبة النفط: تاريخ طويل من الاكتشافات والتطوير

بدأت قصة النفط في كازاخستان خلال الحقبة السوفيتية، لكنها تسارعت بشكل كبير بعد استقلال البلاد عام 1991، حينما فتحت أبوابها للاستثمار الأجنبي. 

وسرعان ما أصبحت حقول "كاشاغان"، "تنغيز" و"كاراشاغاناك" الركائز الأساسية لقطاع النفط الكازاخي، لتساهم حالياً بنحو 80% من إنتاج البلاد.

منذ انضمامها لتحالف "أوبك+" عام 2016، التزمت كازاخستان مبدئياً بحصص الإنتاج المقررة، إلا أن ظروف العقود طويلة الأمد، والتي تمنح الشركات الأجنبية حقوقاً واسعة، جعلت من الصعب على الحكومة الكازاخية تعديل الإنتاج بسهولة.

في حقل "كاشاغان" وحده، ضخت الشركات الكبرى استثمارات تجاوزت 50 مليار دولار، في حين بلغت تكاليف توسعة "تنغيز" نحو 48 مليار دولار. هذه الاستثمارات الضخمة أمنت إنتاجاً متواصلاً لكنه في المقابل قيد قدرة البلاد على التحكم بإنتاجها بما يتلاءم مع متطلبات "أوبك+".

معضلة العقود القديمة: سرية وتحديات أمام الحكومة

رغم مضي أكثر من 30 عاماً على توقيع الاتفاقيات، ما زالت تفاصيل بعض العقود المبرمة بين كازاخستان والشركات العالمية سراً مغلقاً، وهو ما يثير جدلاً واسعاً، ودفعت هذه السرية برئيس تحالف رواد الأعمال "باراسات" إلى مطالبة الحكومة بكشف بنود العقود، للتأكد من مطابقتها للدستور الكازاخي.

تستخدم كازاخستان اتفاقيات تقاسم الإنتاج (PSA) في مشاريعها الكبرى، والتي تتيح للشركات استعادة تكاليفها أولاً قبل تقاسم الأرباح. هذه الصيغة، وإن كانت جذابة لجذب الاستثمارات، فإنها تقيد في المقابل حرية الدولة في تعديل مستويات الإنتاج عند الضرورة.

تسعى كازاخستان حالياً إلى تعديل هذه العقود لتحقيق شروط أفضل لصالحها، إذ أكد الرئيس قاسم توكاييف ضرورة تحديث بنود الاتفاقيات بما يعزز مكاسب الدولة، وأقر وزير الطاقة السابق بوجود خطة لمراجعة العقود، بدءاً من حقل "تنغيز". إلا أن أي تعديل في هذه الاتفاقيات قد ينطوي على مخاطر قانونية واستثمارية جسيمة.

بين الالتزام بـ"أوبك+" والضغوط الداخلية

ضمن إطار تحالف "أوبك+"، التزمت كازاخستان بخفض إنتاجها إلى 1.468 مليون برميل يومياً، إلا أنها واجهت صعوبة كبيرة في تحقيق هذا الهدف. ووفق بيانات "كبلر"، لم تتمكن البلاد من الالتزام بهذه الحصة إلا خلال 30 شهراً فقط منذ عام 2016.

يرى محللون أن طبيعة العقود المبرمة مع الشركات الكبرى تجعل من الصعب على كازاخستان خفض الإنتاج بسرعة، خاصةً في ظل مشاريع توسعة كبرى مثل مشروع "تنغيز". فالحكومة بحاجة لمفاوضات شاقة ومكلفة لتعديل العقود، في وقت يعتمد فيه الاقتصاد الكازاخي بشكل كبير على عائدات النفط التي تمثل أكثر من نصف إيرادات الصادرات.

هذه التحديات تتقاطع مع محاولات كازاخستان تنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على النفط، وهو ما يظهر في خطة التنمية لعام 2025، التي تركز على تطوير البنية التحتية ومشاريع الغاز الإقليمية.

مستقبل قطاع النفط الكازاخي: بين الطموحات والتحديات

بين قيود العقود القديمة، وضغوط الأسواق العالمية، ومساعي الإصلاح الحكومي، تجد كازاخستان نفسها أمام لحظة مصيرية في علاقتها بثروتها النفطية. فبينما تسعى الدولة لتعزيز موقعها كمصدر موثوق ومستقر للطاقة، تواجه في الوقت نفسه ضغوطاً لتحقيق الانضباط المالي، وتقليل التبعية لعائدات النفط.

وفي ظل عدم قدرة الحكومة على السيطرة الكاملة على الحقول الرئيسية الثلاثة، قد تجد نفسها أمام خيارين صعبين: إما الاستمرار في شراكاتها الحالية رغم عدم الالتزام التام باتفاقات "أوبك+"، أو الدخول في مفاوضات جديدة مع الشركات العالمية لتحسين حصتها من الثروة النفطية، وهو مسعى محفوف بالمخاطر السياسية والاقتصادية.

ومهما كان الطريق الذي ستسلكه كازاخستان، تبقى البلاد أسيرة لعقود الماضي وتحديات الحاضر، وهو ما يفرض عليها إعادة تعريف علاقتها بقطاع الطاقة، لتتمكن من تحقيق توازن دائم بين مصالحها الوطنية والتزاماتها الدولية.