الصين تُطلق رسميًا المنظمة الدولية للوساطة من هونج كونج بمشاركة 32 دولة


الجمعة 30 مايو 2025 | 08:13 مساءً
إطلاق المنظمة الدولية للوساطة من هونج كونج
إطلاق المنظمة الدولية للوساطة من هونج كونج
محمد خليفة

في خطوة دبلوماسية تعكس طموحات بكين لتعزيز دورها في الحوكمة العالمية، أعلنت الصين، اليوم الجمعة، انطلاق منظمة دولية جديدة تُعنى بالوساطة لتسوية النزاعات، وذلك خلال فعالية احتفالية أقيمت في مدينة هونج كونج بحضور ممثلي 50 دولة ونحو 20 منظمة دولية، وتم التوقيع الرسمي على اتفاقية تأسيس المنظمة الدولية للوساطة (IOMed) من قبل 32 دولة، وفقاً لما أوردته وزارة الخارجية الصينية.

إطلاق المنظمة الدولية للوساطة من هونج كونج

أكد وزير الخارجية الصيني وانج يي، خلال كلمته في الحفل، أن هذه المبادرة تُجسد رؤية الصين لتطوير أدوات فعالة لتسوية النزاعات الدولية بعيدًا عن المواجهات أو الحلول المفروضة، واصفًا المنظمة بأنها ابتكار قانوني جديد يخدم الصالح العام الدولي، مشيرًا إلى أنها تمثل محطة بارزة في تطور العلاقات الدولية، لما توفره من بدائل سلمية قائمة على سيادة القانون.

وأوضح وزير الخارجية الصيني، أن تأسيس المنظمة يأتي منسجمًا مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ويُعالج فراغًا مؤسسيًا ظل قائمًا طويلًا في منظومة الوساطة الدولية، مؤكدًا أن من شأن المنظمة تجاوز مفاهيم "اللعبة الصفرية" التي تضع الدول في مواجهة خاسر-رابح، مشددًا على إمكانيتها لدفع عجلة التفاهم الدولي وتعزيز التعاون بين الأمم على أساس الحوار والتوافق.

مرونة وكفاءة في إدارة النزاعات

نوّه وانج إلى أن المنظمة الجديدة ستعتمد على نهج أكثر مرونة وكفاءة مقارنة بالتحكيم القضائي التقليدي، إذ تُقدّم خدمات وساطة فعالة من حيث الوقت والتكلفة، دون أن تتعارض مع آليات التحكيم والمحاكم الدولية القائمة، مشيرًا إلى أن ذلك يُعزز من تكامل الأنظمة القانونية ويمنح الدول خيارات أوسع في إدارة خلافاتها.

وشدد على ضرورة تمكين الدول النامية من المشاركة الفعالة في آليات الحوكمة الدولية، داعياً إلى بلورة إطار عالمي لقواعد الوساطة يرتكز على الاستقلالية والفعالية والمرونة، ويضمن صوتاً متوازناً لما يُعرف بـ"الجنوب العالمي".

هونج كونج مقر دائم للمنظمة

قد تقرر، بناءً على مشاورات الأطراف الموقعة، أن يكون المقر الرئيسي للمنظمة الدولية للوساطة في هونج كونج، لما تتمتع به المدينة من موقع استراتيجي ومكانة قانونية فريدة بفضل سياسة "دولة واحدة ونظامان".

وقال وزير الخارجية الصيني إن هونج كونج تُمثل جسرًا بين الصين والعالم، ولديها إرث طويل في مجال الوساطة والتحكيم، داعيًا الدول الموقعة إلى الإسراع في التصديق على الاتفاقية، موجّهًا دعوة مفتوحة لبقية دول العالم للانضمام إلى هذه المبادرة التي تهدف إلى ترسيخ ثقافة الوساطة والحلول الودية.

حضور دولي واسع وإشادات متعددة

شهد الحفل كلمات لعدد من الشخصيات الدولية البارزة، من بينها نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الباكستاني محمد إسحاق دار، ووزير الشؤون الخارجية والتجارة الدولية في زيمبابوي آمون مورويرا، والنائب العام النيكاراجوي ويندي موراليس أوربينا، ووزير العدل الصربي نيناد فويتش، ووزير الخارجية السويسري إجنازيو كاسيس، ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة لي جونهوا.

وأكد المتحدثون على أن الاتفاقية تتوافق مع مقاصد ميثاق الأمم المتحدة، كما أبرزوا دورها المتوقع في تعزيز تعددية الأطراف، وترسيخ سيادة القانون الدولي، ودعم المسارات السلمية لتسوية النزاعات.

دعم هونج كونج وتشغيل المقر

من جهته، رحّب جون لي، الرئيس التنفيذي لمنطقة هونج كونج الإدارية الخاصة، باختيار مدينته مقراً لأول منظمة حكومية دولية تُخصص للوساطة، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تُرسّخ مكانة هونج كونج كمركز قانوني عالمي، إلى جانب محكمة العدل الدولية ومحكمة التحكيم الدائمة في لاهاي.

كما أكد وزير العدل في هونج كونج بول لام أن المدينة ستمنح الهيئة الجديدة دعماً مؤسسياً كاملاً، وستستفيد من موقعها القانوني والاقتصادي لمواجهة التحديات، خاصة في ظل ما وصفه بمحاولات القوى الخارجية المناهضة لتقويض دور المدينة الدولي.

ومن المقرر أن يتم افتتاح المقر الرئيسي للمنظمة في موقع مركز شرطة سابق بمنطقة وان تشاي بحلول نهاية عام 2025 أو مطلع 2026، مما يمثل تتويجاً لمبادرة صينية استراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل بعض ملامح النظام القانوني العالمي.

نفوذ صيني متنامٍ وسط توترات جيوسياسية

تأتي هذه الخطوة في وقت تشهد فيه العلاقات الدولية حالة من التوتر والتغير السريع، لاسيما في ظل تصاعد الحرب التجارية العالمية، وازدياد الحاجة إلى منصات محايدة وفعالة لحل النزاعات، ويرى بعض المراقبين أن هذه المنظمة قد تعزز من نفوذ بكين في المحافل الدولية، وتُعيد رسم توازنات القوى القانونية والاقتصادية.

وبحسب استطلاع أجرته جامعة كوين ماري في لندن، جاءت هونج كونج في المركز الثاني بعد لندن – بالتساوي مع سنغافورة – كأفضل خيار لمقار التحكيم الدولي بحلول عام 2025، ما يدعم مكانة المدينة كمركز قانوني عالمي في طور التوسع.