قال الدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية، إن عودة سوريا إلى التعامل مع المؤسسات المالية الدولية بدأت بشكل فعلي منذ اجتماعات الربيع التي عُقدت في واشنطن، والتي شُرع خلالها في تيسير عودة سوريا إلى البنك الدولي، وكذلك صندوق النقد الدولي، ولكن التركيز كان بالأساس على البنك الدولي، بسبب وجود متأخرات مستحقة عليه بقيمة 15.5 مليون دولار.
وأضاف في لقاء مع قناة العربية Business، أن المملكة العربية السعودية وقطر تعاونتا في سداد هذه المتأخرات، حيث تم الإعلان عن ذلك في 27 أبريل، بينما نُفذ القرار فعليًا في 12 مايو الجاري، ما يدل على وجود وتيرة جيدة للحركة ومتابعة إيجابية، خاصة من وزير المالية السوري ومحافظ البنك المركزي.
لقاء ترامب والشرع.. نقطة تحول دبلوماسي
وأوضح محيي الدين أن هذه التطورات تزامنت مع زيارة قام بها الرئيس الأمريكي إلى دول الخليج، وشهدت تلك الزيارة أول لقاء قمة بين الولايات المتحدة وسوريا منذ قرابة ربع قرن، بحضور الرئيس السوري، ما شكّل بداية لعلاقة دبلوماسية جديدة.
مشروعات البنية التحتية قيد الدراسة.. وأولوية للقطاع المصرفي
وأشار إلى أن المراجعات الإيجابية الجارية يمكن أن تؤدي إلى تنفيذ مشروعات حيوية عبر البنك الدولي، لا سيما في مجالي البنية التحتية والكهرباء. كما توقع أن يبدأ الانفتاح الاقتصادي تدريجيًا، أولًا من خلال الخدمات المصرفية، نظرًا لأهميتها في تسهيل تحويلات العاملين السوريين بالخارج، ثم تتوالى خطوات الإصلاح.
وقال إن أكثر ما أعجبه هو تصريح وزير الاقتصاد والصناعة السوري الذي شدد فيه على ضرورة ضبط التوقعات، معتبرًا أن "الطريق طويل ويحتاج إلى ترشيد في الطموحات".
السيولة الدولارية وتحديد الأولويات
وردًا على سؤال حول توفر السيولة الدولارية وإمكانية تدفق النقد الأجنبي، شدد محيي الدين على أهمية ضبط الأولويات بعد سنوات طويلة من المعاناة، معتبرًا أن البدء يجب أن يكون بتوفير السلع الغذائية والاستهلاكية الأساسية.
وأوضح أن التجارب في دول إفريقية وأمريكا اللاتينية تُظهر أن بعض القطاعات تتعافى أسرع من غيرها بعد فترات الصراع، مثل القطاع المصرفي، يليه قطاع التجارة، ثم الاستثمارات اللوجستية، وهو ما بدأ فعليًا في سوريا عبر مذكرة تفاهم لتطوير ميناء طرطوس.
عودة الاستثمار المحلي ضرورة سابقة لجذب الخارجي
وأكد أنه لا يمكن التعويل على الاستثمارات الخارجية بشكل فوري، بل يجب أن يبدأ السوريون أنفسهم، وهم أهل تجارة وخبرة، بالاستثمار في الداخل، بالتوازي مع إصلاحات هيكلية ومؤسسية تُطمئن المستثمر المحلي والعربي والدولي.
وأشار إلى أن جذب العملات الصعبة لا يمكن أن يسبق تحقيق الانضباط المالي واستقرار سعر الصرف، مؤكدًا أهمية وجود محافظ بنك مركزي مطّلع على أوضاع المؤسسات المالية، واقترح الاستفادة من التعاون الفني الدولي واستهداف التضخم ضمن سياسة مرنة لسعر الصرف، ما يرسل إشارات إيجابية للداخل والخارج على حد سواء.
مبادرات إقليمية.. وتقليل الاعتماد على الديون
وأعرب عن إعجابه بالمبادرات الإقليمية الحالية التي تدعم سوريا، معتبرًا أن العالم يتجه، في ظل الصراعات الجيوسياسية، نحو تعزيز التعاون الإقليمي، لا سيما في المنطقة العربية وأفريقيا وأوروبا.
ودعا إلى عدم الاقتصار على التعامل مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، موضحًا أن وزير المالية السوري له باع طويل في التعاون مع مؤسسات مالية عربية، مثل صندوق النقد العربي، وهناك العديد من الصناديق الاستثمارية القائمة على النفع المتبادل يمكن أن تساهم في مشروعات تنموية.
واختتم بالتأكيد على أهمية تقليل الاعتماد على الاستدانة الخارجية، والاعتماد على استثمارات المواطنين السوريين، لافتًا إلى أن قروضًا ميسّرة، مثل تلك التي تقدمها مؤسسة التنمية الدولية التابعة للبنك الدولي، يمكن أن تموّل مشروعات استراتيجية، خاصة في قطاع الكهرباء، بفوائد شبه معدومة تتراوح بين 0 و1%.