تنتظر البورصة المصرية موجة من النشاط خلال الأسابيع المقبلة، وذلك بعد أن أقدم البنك المركزي على خفض أسعار الفائدة بواقع 2.25%.
هذه خطوة ينظر إليها خبراء على أنها بداية دورة تيسير نقدي جديدة، قد تعيد السيولة إلى سوق المال بعد سنوات من تفضيل أدوات الدين ذات العائد المرتفع.
خبراء: خفض الفائدة يمهّد لبداية دورة التيسير النقدي ما قد يعيد السيولة إلى سوق المال
وفي ذلك الصدد، توقع أحمد الشيخ، رئيس البورصة المصرية، في تصريح لـ"الشرق"، أن يشجع خفض الفائدة المستثمرين للتوجه نحو البورصة سعياً لتحقيق عائد أعلى مقارنة بالبنك.
وأضاف أن أسعار الفائدة المرتفعة "تؤدي إلى تراجع الإقبال على الأدوات الاستثمارية عالية المخاطر، وتوجّه السيولة نحو الشهادات مرتفعة العائد"، متوقعاً "ارتفاع حجم الاستثمار في البورصة وانتعاش نشاطها بعد خفض الفائدة".
وأغلق مؤشر البورصة الرئيسي "EGX30" مرتفعاً بنحو 0.82% بنهاية تعاملات الأسبوع الماضي، بدعم أساسي من صعود سهم "إي إف جي القابضة" بنحو 6.29%، وفقاً لبيانات البورصة المصرية. فيما كان أداء السوق خلال الربع الأول من العام الجاري إيجابياً، حيث ارتفع المؤشر الرئيسي بنسبة تتخطى 7%.
سيولة مرتقبة
يرى مصطفى الشنيطي، الرئيس التنفيذي لشركة "زيلا كابيتال"، أن قرار الخفض سيكون "إيجابياً للغاية" على البورصة المصرية، متوقعاً تحسّن أداء السوق خلال الفترة المقبلة، بدعم من السيولة التي ستنتقل من أدوات الدخل الثابت إلى الأسهم.
وأوضح لـ"الشرق" أن خفض أسعار الفائدة سيقلّص تكلفة التمويل على الشركات، ما ينعكس إيجابياً على نتائج أعمالها، كما يشجع على تنفيذ طروحات جديدة في السوق، خاصة مع توقعات بمزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة خلال الربعين الثالث والرابع من العام الجاري.
كان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أعلن في ديسمبر الماضي، أن بلاده تخطط لطرح 10 شركات على الأقل خلال عام 2025، ومن بين الشركات المقرر طرحها 4 مملوكة للجيش.
طروحات جديدة والتوجه لأسهم النمو
عمرو الألفي، رئيس استراتيجيات الأسهم في شركة "ثاندر لتداول الأوراق المالية"، يقول إن زيادة أحجام التداول داخل السوق بفعل انخفاض أسعار الفائدة، سيؤدي إلى توجه المستثمرين إلى أسهم النمو والتوزيعات طويلة الأجل، وتحفيز الطروحات الجديدة مع ارتفاع القيم العادلة للأسهم.
أضاف الألفي في حديثه مع "الشرق" أن الأسهم الأكثر استفادة من القرار هي الشركات ذات المديونية المقومة بالجنيه، أو التي تعتمد على تمويلات قصيرة الأجل، بينما سيكون تأثير القرار على أسهم البنوك متفاوتاً، تبعاً لهيكل آجال القروض داخل كل بنك.
من جهته، توقّع هيثم فهمي، رئيس قسم البحوث في شركة "برايم لتداول الأوراق المالية"، أن يؤدي الخفض إلى ارتفاع المؤشر الرئيسي "EGX30" نحو مستويات 31326 نقطة ثم سيتجاوز مستويات 32 ألف نقطة، وهي مستويات مقاومة سابقة.
وأوضح أن البورصة ستستفيد من تخارج جزئي للسيولة من أذون الخزانة والسندات والودائع البنكية، وإعادة ضخها في السوق، مشيراً إلى أن قطاع الخدمات المالية غير المصرفية سيكون من أكبر المستفيدين، في مقابل تأثر محتمل لقطاع البنوك.
ولكنه نوه إلى أن التأثير سيختلف بحسب هيكل رأسمال الشركات؛ فالشركات التوسعية ذات الاعتماد المرتفع على التمويل ستستفيد بشكل واضح، في حين أن الشركات ذات الهياكل الرأسمالية المحافظة لن تشهد تغييرات جوهرية.
بداية متأنية ومخاطر قائمة
سارة سعادة، كبيرة محللي الاقتصاد الكلي في "سي آي كابيتال"، رأت في خفض الفائدة بواقع 2.25% إعلاناً رسمياً من البنك المركزي عن بدء دورة التيسير، لكنه يأتي بشكل حذر ومتزن بسبب التقلبات الاقتصادية محلياً وعالمياً.
رغم أن الخفض قد لا يكون كافياً لإحداث تحوّل كبير على المدى القصير، فإن سعادة تعتبره بداية "متأنية وسليمة"، مؤكدة أن "التأثير سيكون ملموساً على تقييمات الشركات، ويشجّع على زيادة الإنتاج والاقتراض".
ولكن إبراهيم النمر رئيس قسم التحليل الفني في شركة "النعيم لتداول الأوراق المالية"، اعتبر أن الخفض لأول مرة "غير كافٍ لإحداث تأثير قوي علي البورصة، وإن حدثت ارتفاعات فإنها قد تكون ردة فعل سريعة، خاصة أن التقلبات والتحديات الاقتصادية لا زالت صاحبة الكلمة العليا في أداء الأسواق".
وأضاف في حديث لـ"الشرق"، أن الخفض لمرة واحدة غير كافٍ للتأكيد على بدء دورة التيسير النقدي في مصر من قبل البنك المركزي المصري، خاصة في ظل تصاعد المخاوف من تزايد وتيرة الضغوط التضخمية.
التيسير النقدي مستمر
تشير جميع المؤشرات إلى أن سوق المال مقبلة على تحول في ظل تغير السياسة النقدية، مع ترقب المستثمرين لمزيد من الخفض في أسعار الفائدة، ما يزيد من شهية المخاطرة، ويرفع فرص الطروحات الجديدة. ولكن التحدي الأكبر يتمثل في استدامة الاستقرار الاقتصادي، وحجم السيولة المنتظرة.
ويرى أحمد أبو حسين، رئيس مجلس إدارة شركة "كايرو كابيتال سيكيوريتيز"، أن البنك المركزي سيواصل سياسة التيسير النقدي، مدعوماً بتراجع التضخم من 23.2% في يناير إلى 12.8% في فبراير، قبل أن يرتفع بشكل طفيف إلى 13.6% في مارس.
وأشار إلى أن أسعار الفائدة الحقيقية وصلت إلى 14%، وهو أعلى مستوى في 10 سنوات، ما يمنح المركزي مساحة للمزيد من التخفيضات، متوقعاً ألا يؤثر رفع أسعار المحروقات على توجهات السياسة النقدية، ولا على استقرار العملة المحلية.
تداعيات متباينة بين القطاعات
أحمد عبد النبي، رئيس قطاع البحوث في شركة "مباشر لتداول الأوراق المالية"، اعتبر أن تأثير السياسة النقدية الجديدة سيكون متبايناً على الشركات المدرجة، مؤكداً أن الشركات التي تمتلك "صافياً نقدياً" مرتفعاً قد تواجه ضغوطاً سلبية نتيجة انخفاض العوائد على السيولة.
في المقابل، يُتوقع أن تستفيد الشركات ذات "صافي ديون" من تراجع تكلفة التمويل، ما قد يعزز أرباحها، مشيراً إلى أن هناك نحو 56 شركة ستتأثر بشكل مباشر؛ بينها 19 شركة ستواجه تأثيرات سلبية، خصوصاً في قطاعات الخدمات المالية، والصناعات، والسلع الأساسية، بينما سيشمل التأثير الإيجابي 31 شركة، أبرزها في العقارات والرعاية الصحية.
أما يوسف الفار، العضو المنتدب لشركة "النعيم القابضة للاستثمارات"،فاعتبر أن الخفض الأخير يمهّد لانخفاض أسعار الفائدة إلى ما دون 20%، ما يشكّل بيئة مواتية لتحقق مؤشرات البورصة مستويات قياسية.
القطاع العقاري سيكون المستفيد الأكبر نتيجة انخفاض تكاليف التمويل، بحسب الفار الذي توقع أن يرتفع مؤشر "EGX30" ليصل إلى 36 ألف نقطة في النصف الأول من عام 2025، بدعم من الاستقرار السياسي، وتدفّق الاستثمارات الأجنبية.