تُشكل السياسة التجارية الأمريكية عاملًا مؤثرًا بشكل كبير على الاقتصاد العالمي، وتُثير الإدارة الأمريكية الجديدة تساؤلات حول طبيعة التعريفات الجمركية الجديدة التي ستطبقها، وما التداعيات المحتملة لهذه التعريفات على الاقتصاد العالمي؟ فالتغييرات في السياسات التجارية الأمريكية يمكن أن تؤثر بشكل كبير على سلاسل التوريد العالمية، وتدفع الدول إلى اتخاذ إجراءات انتقامية، مما قد يؤدي إلى حرب تجارية عالمية.
وتخيم حالة من الشك وعدم اليقين على الأسواق العالمية مع اقتراب الإدارة الأمريكية الجديدة من تطبيق سياساتها التجارية، فالتعريفات الجديدة التي تهدد بفرضها على الواردات، تحمل في طياتها تحديات كبيرة للاقتصاد العالمي، كما تعد أداة قوية يمكن أن تستخدمها الحكومات لتشكيل التجارة الدولية، ولكنها تحمل في الوقت نفسه مخاطر كبيرة، إذ تتعدى آثار فرضها على الاقتصاد العالمي مجرد التأثير على أسعار السلع، بل تمتد إلى التأثير على سلاسل الإمداد، والاستثمار، والوظائف.
سيناريوهات تطبيق تعريفات ترامب الجمركية
قال الدكتور فواز العلمي، الخبير السعودي في التجارة الدولية، إن الولايات المتحدة تتمتع بأقل متوسط للرسوم الجمركية المفروضة على الواردات مقارنة بالعديد من الاقتصادات الكبرى الأخرى، ففي حين تبلغ نسبة الرسوم الجمركية في الولايات المتحدة حوالي 2.1%، ترتفع هذه النسبة بشكل ملحوظ في الاتحاد الأوروبي والصين والمكسيك، لتصل إلى ضعف أو أربعة أضعاف أو حتى خمسة أضعاف، وبالتالي، فإن السوق الأمريكي يعتبر بيئة تجارية أكثر جاذبية للشركات العالمية مقارنة بالأسواق الأخرى.
وأضاف الدكتور فواز العلمي، أن الرئيس الأمريكي المنتخب يعتزم تنفيذ خطة اقتصادية طموحة تهدف إلى تعزيز القوة التفاوضية للولايات المتحدة في المفاوضات التجارية مع الدول الكبرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي والمكسيك وكندا، وتشمل هذه الخطة زيادة تدريجية في الرسوم الجمركية على بعض الواردات من هذه الدول، وذلك استنادًا إلى قانون الطوارئ الاقتصادي الأمريكي (IEPA) وبموجب أحكام اتفاقية الجات GATT في منظمة التجارة العالمية والتي تمنح الدولة حق فرض تعريفات جمروكية إضافية وإدارة الواردات أثناء حالة طوارئ الوطنية.
وأوضح أن الإدارة الأمريكية تدرس حاليًا إمكانية تطبيق قانون الطوارئ الاقتصادي لفرض رسوم جمركية إضافية على واردات عدد من الدول، بما في ذلك الصين والاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك، مشيرًا إلى أن الدراسات الأولية تشير إلى أن هذه الرسوم قد تبدأ بنسب متدرجة، تتراوح بين 2% و5% لبعض الواردات، وقد تصل إلى نسب أعلى بالنسبة لبعض الدول الأخرى، حيث قد ترتفع إلى 10% على صادرات أوروبا، و25% على صادرات كندا والمكسيك، و60 إلى 100% على صادرات الصين إلى أمريكا، ومع ذلك، لم يتم اتخاذ قرار نهائي بشأن تطبيق هذه الرسوم أو النسب المحددة لها.
وحذر خبير التجارة الدولية من أن فرض رسوم جمركية إضافية على الواردات قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي. فمن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي بنسبة 5%، وانخفاض قيمة العملات الأخرى مثل الدولار الكندي واليورو. بالإضافة إلى ذلك، ستشهد سلاسل الإمداد العالمية اضطرابات كبيرة، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع عالميًا. ونتيجة لذلك، ستعم حالة من عدم اليقين التجاري، مما قد يتسبب في تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وانخفاض الناتج الإجمالي العالمي.
تداعيات الرسوم الجمركية على الاقتصاد العالمي
كما حذر الدكتور فواز العلمي، من أن فرض رسوم جمركية إضافية على الواردات الصينية سيؤدي إلى تراجع كبير في الإنتاج الصناعي والصادرات الصينية، موضحًا أن الصين تعتبر الشريك التجاري الأكبر للولايات المتحدة، حيث تبلغ قيمة الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة حوالي 687 مليار دولار سنويًا، وبالتالي، فإن أي زيادة في الرسوم الجمركية ستؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الصيني وتقلل من قدرته التنافسية في الأسواق العالمية.
تداعيات التعريفة الجمركية على سوق النفط
أوضح الخبير السعودي، أن العقوبات الأمريكية المفروضة على قطاع الطاقة الروسي ستؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط الخام، وذلك يعود إلى تراجع الإمدادات العالمية من النفط الروسي، خاصة وأن هناك أكثر من 183 ناقلة نفط تعمل بين روسيا والصين والهند ودول أخرى، كما أن الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات مماثلة، مما قد يؤدي إلى مزيد من التضييق على صادرات الطاقة الروسية، ونتيجة لهذه التطورات، شهدت أسعار تأجير ناقلات النفط ارتفاعًا كبيرًا خلال الشهر الحالي، بنسبة تجاوزت 39%، وهو ما يعكس الضغوط المتزايدة على سلاسل الإمداد النفطية العالمية.
وأشار الدكتور فواز العلمي، إلى التحدي الكبير المتمثل في استبدال الأسطول الحالي من ناقلات النفط التي تخدم روسيا، والذي يضم حوالي 183 ناقلة، فالعقوبات المفروضة على روسيا تستهدف بشكل أساسي شركات الطاقة الكبرى وشركات التأمين، ولكنها لا تحظر بشكل مباشر استخدام الناقلات. ومع ذلك، فإن العثور على بدائل لهذه الناقلات وتدريب الطواقم وتأمين التغطية التأمينية سيكون أمرًا معقدًا ومكلفًا، خاصة وأن هذا الأسطول يمثل حوالي 10% من إجمالي أسطول ناقلات النفط الخام في العالم.
أسعار الذهب ومؤشر الدولار
ارتفعت أسعار الذهب اليوم الأربعاء، مع تراجع عائدات الدولار الأمريكي وسندات الخزانة، بينما كان المشاركون في السوق ينتظرون بيانات التضخم الأمريكية للحصول على أدلة على استراتيجية سعر الفائدة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، وزاد الذهب الفوري 0.4 بالمئة إلى 2687.59 دولار للأوقية، وارتفعت العقود الآجلة للذهب الأمريكي بأكثر من 1٪ إلى 2710.00 دولار.
وانخفض مؤشر الدولار (DXY)، بنسبة 0.2٪، مما يجعل السبائك أكثر جاذبية لحاملي العملات الآخرين. كما تراجعت عوائد سندات الخزانة القياسية لأجل 10 سنوات.
ويشعر المستثمرون بالقلق من تعهد ترامب، الذي من المقرر أن يبدأ ولايته الثانية الأسبوع المقبل، بفرض رسوم جمركية على مجموعة واسعة من الواردات، خوفًا من أنها قد تغذي التضخم وتحد بشكل أكبر من قدرة بنك الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة.
اندفاع أمريكي على بضائع الصين قبل فرض الرسوم
أنهت الواردات الأمريكية من الصين العام بقوة بعد أن قامت بعض الشركات بتخزين شحنات من الملابس والألعاب والأثاث والإلكترونيات قبل خطة الرئيس المنتخب دونالد ترامب لفرض رسوم جمركية جديدة يمكن أن تعيد إحياء الحرب التجارية بين القوى الاقتصادية العظمى في العالم.
وهدد ترامب بفرض رسوم جمركية من 10٪ إلى 60٪ على البضائع من الصين، ويستهدف بشكل أساسي الأجزاء والمكونات الصينية، وسط توقعات أن الموجة التالية من الرسوم الجمركية يمكن أن تنطبق على السلع التامة الصنع.
وهبط ما يعادل 451 ألف حاوية بضائع من الصين يبلغ ارتفاعها 40 قدمًا في الموانئ البحرية الأمريكية في ديسمبر، بزيادة سنوية قدرها 14.5٪، وفقًا لمجموعة Descartes Systems Group (DSG.TO) مورد البيانات التجارية
وفي حين أن بعض تجار التجزئة الأمريكيين قد اندفعوا في البضائع لتجنب التكلفة المتضررة من التعريفات الجديدة المحتملة، فإن إثارة التأثير الحقيقي على مكاسب الاستيراد الإجمالية أمر صعب لأن المستوردين يحافظون على خصوصية هذه البيانات، ومما زاد من تعقيد التحليل، أن المتسوقين الأمريكيين المرنين يغذون الطلب وجلب بعض المستوردين مخزونات السلامة للحماية من الاضطرابات الناجمة عن هجمات الحوثيين على الشحن بالقرب من الطريق المختصر لتجارة قناة السويس ونزاع عمالي في الموانئ البحرية على الساحل الشرقي للولايات المتحدة وخليج المكسيك.
كما تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على السلع من العديد من الدول الأخرى، بما في ذلك جيران أمريكا الشمالية المكسيك وكندا، نتيجة لذلك، سجلت عدة فئات من الواردات الأمريكية من جميع المصادر الجغرافية مكاسب ذات مغزى خلال الربع الرابع، وفقًا لـ Global Market Intelligence.
وقفزت المنسوجات والملابس 20.7٪؛ واكتسبت المنتجات الترفيهية، وخاصة الألعاب، 15.4٪ ؛ وزاد الأثاث المنزلي بنسبة 13.4 في المائة؛ وحققت الأجهزة المنزلية والإلكترونيات الاستهلاكية مكاسب بنسبة 9.6٪ و 7.9٪ على التوالي.