واجهت مصر أزمات اقتصادية حادة على مدار العامين الماضيين بسبب خروج ما يزيد على 22 مليار دولار من الأموال الساخنة، ما تسبب في نقص شديد في العملات الأجنبية وفتح الباب أمام نشاط السوق السوداء، هذه الأزمة تفاقمت إلى حد كبير وأثرت على استقرار الاقتصاد المصري، لكن في مارس الماضي، ومع توقيع اتفاقية بين مصر والإمارات ضخت 35 مليار دولار في الاقتصاد المصري، مما ساعد على تخفيف الأزمة، كما وافق صندوق النقد الدولي على زيادة قرض مصر من 3 مليارات إلى 8 مليارات دولار، مما ساعد على استعادة بعض الثقة في الاقتصاد وجذب الاستثمارات مجدداً.
مصر تجذب 40 مليار دولار بفضل تحرير سعر الصرف ورفع الفائدة
بعد استقرار الوضع نسبياً، بدأت الحكومة في تبني سياسات جديدة لتفادي تكرار أخطاء الماضي، وجاء تحرير سعر الصرف ورفع سعر الفائدة بنسبة 6% إلى 27.25% كخطوة رئيسية في جذب الاستثمارات، حيث تمكنت مصر من جذب حوالي 21.8 مليار دولار في مارس وأبريل فقط، مما ساعد في تعزيز تدفقات الأموال الساخنة إلى البلاد، حيث بلغت قيمة تلك الأموال حوالي 40 مليار دولار. هذا العائد الجذاب جعل مصر ثالث أعلى دولة من حيث العائد على أذون الخزانة والسندات المحلية في الأسواق الناشئة.
الدكتورة سهر الدماطي، الخبيرة المصرفية ونائب رئيس بنك مصر السابق، توضح أن الأموال الساخنة هي استثمارات قصيرة الأجل تستخدمها صناديق الاستثمار للدخول في أذون الخزانة للدول التي تقدم عوائد مرتفعة، وهذه الأموال تذهب عادة إلى الدول التي تعاني من تراجع في قيمة عملتها المحلية ولكن توفر عوائد مرتفعة من الفوائد.
الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يلعب دورا بارزا في هروب واستعادة الأموال الساخنة
خلال العامين الماضيين، أدت قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة إلى هروب أكثر من 22 مليار دولار من مصر، حيث فضل المستثمرون الانتقال إلى الولايات المتحدة للحصول على عوائد أكبر. لكن مع توجه الاحتياطي الفيدرالي مؤخراً نحو خفض أسعار الفائدة، بدأت الأموال الساخنة في العودة إلى السوق المصري مجدداً.
في حين اتخذ السيد حسن عبد الله، محافظ البنك المركزي المصري، خطوات جادة للحفاظ على تدفقات الأموال الساخنة داخل السوق المصري، خاصة أن الأموال الساخنة تستثمر عادة في أذون خزانة قصيرة الأجل، وبالتالي فهي غير مؤثرة بشكل كبير على الاقتصاد طالما تم استثمارها بشكل صحيح في مشروعات ذات طبيعة قصيرة الأجل تتناسب مع مدتها المحددة، وفي حال سحبها بعد انتهاء المدة، لا يتأثر الاقتصاد بشكل كبير طالما تم توزيع الاستثمارات بشكل استراتيجي.
لكن، كما أشارت الدكتورة الدماطي، كان هناك سوء إدارة في السابق لتلك الأموال، حيث تم استخدامها لسداد التزامات طويلة الأجل رغم طبيعتها قصيرة الأجل، وهذا تسبب في نقص كبير في السيولة عند سحبها، ما أدى إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية.
هاني جنينة: الأضرار التي تسببها الأموال الساخنة تفوق فوائدها ويجب الحد من الاعتماد عليها
الدكتور هاني جنينة، المحلل الاقتصادي، يؤكد أن تدفقات الأموال الساخنة لها تأثيرات سلبية أكبر من الإيجابيات، خصوصاً في حالة الاعتماد المفرط عليها، فالأزمات التي واجهتها مصر في عام 2022 هي خير دليل على مخاطر هذا النوع من الاستثمارات. فقد تسببت قرارات رفع الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في خروج مليارات الدولارات من السوق المصري، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية لفترة طويلة.
لحماية الاقتصاد من هذه المخاطر، يقترح جنينة فرض ضرائب على المستثمرين الذين يقومون بسحب أموالهم بشكل سريع، مما سيجعل بقاء الأموال في السوق لفترة أطول أكثر جاذبية. كما يشدد على ضرورة تقديم مزايا للمستثمرين الذين يختارون الاستثمار طويل الأجل في مصر، لأن هذا النوع من الاستثمارات يحقق استقراراً أكبر في تدفقات العملات الأجنبية.
في ضوء المخاطر المرتبطة بالأموال الساخنة، قررت الحكومة تقليل الاعتماد على الاستثمارات قصيرة الأجل في أذون الخزانة وتركز بشكل أكبر على تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر. فالأموال الساخنة قد تكون مفيدة لتحقيق تدفقات مالية سريعة، لكنها تأتي بمخاطر عالية في حالة خروجها المفاجئ. على سبيل المثال، في عام 2018 شهدت مصر خروج حوالي 15 مليار دولار، وفي 2020 هروب 22 مليار دولار أخرى، تكرر الأمر نفسه في 2022 مع خروج مماثل لمبلغ 22 مليار دولار.
تعلمت الحكومة من هذه التجارب وتعمل الآن على وضع استراتيجيات طويلة الأجل تعتمد على جذب الاستثمارات المستقرة والمستدامة، مما يعزز الاقتصاد المصري ويحميه من التقلبات الناتجة عن الأموال الساخنة.