توقع محللون واقتصاديون تحسنا ملحوظا في تدفقات العملات الأجنبية لمصر خلال الفترة المقبلة، ما سينعكس إيجابيا على سعر صرف الدولار مقابل الجنيه، ولكن لديهم مخاوف من تصاعد التوترات الجيوسياسية وتأثيراتها على هذه التدفقات المرتقبة.
وأضافت المصادر أن هناك عدة معايير تقود التوقعات نحو مرحلة من الاستقرار في سعر الصرف، وأهمها القفزات التي شهدتها تحويلات المصريين في الخارج، وخفض الاحتياطي الفيدرالي للفائدة، ما يرفع جاذبية سعر الفائدة محليا ويسهل جذب استثمارات الأجانب في أدوات الدين المحلية.
وأكدت المصادر على أن التحسن المرتقب مرهون بحجم تأثيرات التوترات الجيوسياسية في المنطقة على الاقتصاد المصري، ومما تسببه من قلق وحالة من عدم اليقين لدى المستثمرين وخاصة من أصحاب الاستثمارات المباشرة.
وشهدت مصر أزمة في توفير العملة الصعبة، منذ سنوات، مع تفاقم معدلات التضخم خلال العامين الأخيرين، وحررت القاهرة عملتها 4 مرات منذ مارس 2022 حتى مارس الماضي، ما دفع سعر الجنيه المصري إلى الانخفاض أمام الدولار ليصل لسعر 50 جنيها في مارس الماضي.
نمو التدفقات الأجنبية
واستبعد رئيس قسم البحوث بأحد بنوك الاستثمار، حدوث تأثيرات قوية للتوترات الجيوسياسية على سعر الدولار في مصر الفترة المقبلة، مرجعا ذلك لمستويات التدفقات الأجنبية المرتفعة لمصر الشهور الأخيرة، سواء من تحويلات المصريين بالخارج أو استثمارات جديدة.
وأضاف أن هذه التدفقات قادرة على استيعاب التراجع الناتج عن التوترات الجيوسياسية وتأثيراتها على إيرادات قناة السويس، مؤكدا على أن هذه التدفقات الحالية والمتوقعة يمكنها تقليل حدة التأثيرات الناجمة عن الاضطرابات السياسية.
في حين أبدى مخاوفه من استمرار معدل التضخم عند مستويات مرتفعة أو تباطؤ وتيرة تراجعها مدفوعة بالنمو الاستهلاكي أو تحرير الدعم عن بعض الخدمات والمنتجات.
الأموال الساخنة
وأشار إلى أن خفض الفيدرالي الأمريكي للفائدة والإعلان عن اقتراب حصول مصر على استثمارات مباشرة جديدة، مؤشر ثقة لجذب مزيد من الاستثمارات وخاصة ما تعرف بالأموال الساخنة.
وقفزت تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال الربع الرابع من العام الحالي، في الفترة من أبريل إلى يونيو 2024، بمعدل 61.4% لتصل إلى نحو 7.5 مليار دولار مقابل نحو 4.6 مليار دولار خلال ذات الفترة من العام السابق، وفقا لأحدث بيانات من البنك المركزي المصري.
وبذلك ترتفع التحويلات بأكثر من الضعف عما حققته قبل الإجراءات الإصلاحية التي تم اتخاذها في 6 مارس 2024، حيث اقتصرت في فبراير 2024 على نحو 1.3 مليار دولار.
ويري مسؤول مصرفي أن ارتفاع التدفقات النقدية من العملات الأجنبية في الوقت الحالي، مع توقعات مزيد من النمو لهذه التدفقات، يحد من التأثيرات السلبية الناتجة عن التوترات السياسية في المنطقة.
"لولا هذه التوترات كان من المحتمل أن نشهد دعم كبير للعملة المحلية مقابل الدولار، ولكن في أسوء الأحوال لا نتوقع تراجعات وهزات في سعر الدولار على المدي القصير"، بحسب المسؤول
عدم يقين اقتصادي
ومن جانبه قال المحلل المالي الأول بشركة النعيم القابضة، هشام حمدي، إن هناك متغيرات متضاربة على مستقبل سعر العملة الأميركية في مصر، منها الإيجابي مثل خفض الفيدرالي الأميركي للفائدة وما يتبعها من تدفقات في الأموال الساخنة، واقتراب حصول مصر على استثمارات سعودية.
وأوضح أن هذه الإيجابيات يصاحبها ارتفاع في حدة التوترات الجيوسياسية، وهو ما يؤثر على أهم الإيرادات لمصر من خلال قناة السويس، مع زيادة مخاطر عدم التأكد أو عدم اليقين الاقتصادي.
وقال حمدي: "من الصعب توقع مستوي معين لسعر صرف الدولار في مصر على المدى المتوسط، في ظل وجود توترات تختلف تأثيراتها من حيث معدل خروج الاستثمارات أو نمو الصادرات وهو ما يؤثر مباشرة على سعر العملة".
شهدت العقود الآجلة غير المسلمة على الجنيه المصري، الكثير من الاستقرار رغم التوترات الحالية في منطقة الشرق الأوسط بعد الضربات المتبادلة بين إسرائيل ولبنان، والضربات الإيرانية، حيث تداولت العقود أجل 12 شهرا حول مستوى 52 جنيه، نزولا من مستويات كانت قرب 56 جنيه للدولار قبل 3 أشهر.
إيرادات مصر ودول المنطقة
في حين يري الخبير الاقتصادي هاني توفيق، أن التوترات الجيوسياسية المتزايدة تؤثر بشكل ملحوظ على إيرادات مصر والمنطقة بشكل عام من التدفقات الأجنبية، مما انعكس على إيرادات أهم مصادر مصر للعملات الأجنبية وهي قناة السويس، بالإضافة إلى تباطؤ حركة التجارة العالمية المارة بالقناة.
"في حال تراجع المعروض من الدولار في ظل عجز ميزان المدفوعات والميزان التجاري ستعود أسعار صرف للدولار للارتفاع من جديد "، بحسب توفيق.