مصر تستعد لخفض فاتورة استيراد القمح


السبت 05 أكتوبر 2024 | 07:49 مساءً
الخبز المدعم
الخبز المدعم
أحمد رجب

تدرس مصر خططاً لخفض واردات القمح وخفض الإنفاق على الخبز المدعم، من خلال إضافة الذرة أو الذرة الرفيعة لمكوناته، تزامناً مع خطة للتحول من الدعم العيني إلى نظيره النقدي طرحتها إلى الحوار الوطني لتقليل الضغط عن الموازنة العامة للدولة التي تتحمل مبالغ ضخمة، وفي الوقت نفسه تستهدف وصول الدعم إلى المستحقين الحقيقيين.

ووفقاً للموازنة العامة للدولة للسنة المالية الحالية 2024-2025 تخصص القاهرة أكثر من 125 مليار جنيه (2.66 مليار دولار) لدعم الخبز.

وقالت 5 مصادر مطلعة، إن مصر وضعت خططاً لخفض واردات القمح وخفض الإنفاق على الخبز المدعوم من خلال إضافة الذرة أو الذرة الرفيعة لمكوناته، لتوفير ملايين الدولارات، لكنها تواجه معارضة من أصحاب المخابز والمطاحن الذين قد يخسرون مالياً، ويقولون إنها ستؤثر في جودة الخبز.

ففي تصريحات حديثة قال وزير التموين والتجارة الداخلية شريف فاروق إن "الدعم النقدي سيتخذ القرار في شأنه من طريق جهات عدة، من بينها الحوار الوطني والشركات المسؤولة عن السلع والجمعيات الاستهلاكية"، مشيراً إلى أن القرار سيكون خدمياً وسيكون في منتهى المرونة، وسيعرض على جميع المتخصصين، وعند التنفيذ سيكون جاداً وصارماً، مضيفاً أن "التطبيق سيكون في مناطق معينة بصورة تجريبية مع بداية الموازنة الجديدة لعام 2025"، وتواجه القاهرة زيادة في الديون والتضخم ونقص العملات الأجنبية، وتقول الحكومة إن برنامج دعم الخبز يشكل عبئاً كبيراً على الموازنة، وتسعى إلى إلغائه تدريجاً.

من جهته، قال عضو شعبة المواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية المصرية حازم المنوفي، إن "هناك العديد من المميزات التي سيحصل عليها المواطن من عملية تحويل الدعم العيني الي الدعم النقدي"، موضحاً أن أهم المميزات منح المستهلك حرية شراء السلع حسب احتياجاته، حتى لا يكون مجبراً على الحصول علي سلع بعينها، مشيراً إلى أن الدعم النقدي آلية محكمة لوصوله الي مستحقيه من خلال تنقية بطاقات التموين وتحديد الفئات المستحقة فعلياً للدعم.

خلط دقيق الذرة مع دقيق القمح

وقال مصدران بقطاع المخابز إن أحدث خطة لوزارة التموين المصرية، التي عرضت على المخابز والمطاحن في نهاية سبتمبر الماضي، تشير إلى خلط دقيق الذرة مع دقيق القمح بنسبة واحد إلى أربعة بداية من أبريل المقبل، مما قد يوفر ما يصل إلى مليون طن من القمح.

بينما أكدت ثلاثة من المصادر أن الحكومة ألغت خطة سابقة لزيادة معدل استخراج الدقيق من القمح في الدقيق المستخدم في الخبز المدعوم، بعد معارضة من جماعات ضغط في القطاع.

وطرحت مصر مقترحات استبدال القمح في الماضي في ظل سعيها إلى تحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي، وجرى استخدام الذرة لسنوات عدة منذ عقدين، قبل أن تدفع حملة من مجموعات بالقطاع الحكومة إلى التخلي عنها.

وقال مصدران إن إدخال دقيق الذرة كمكون يمكن أن يسمح بتوفير كبير في العملة الصعبة، إذا استخدمت الذرة المزروعة محلياً، بدلاً من الاستيراد.

كلفة القمح الروسي

وتبلغ كلفة القمح الروسي الذي تعتمد عليه مصر بشدة نحو 220 دولاراً للطن بأسعار السوق الحالية، في حين يبلغ سعر الذرة نحو 200 دولار للطن، وفقاً لبيانات مجموعة بورصات لندن.

وتحتاج وزارة التموين المصرية إلى نحو 8.25 مليون طن من القمح سنوياً لتوفير الخبز المدعوم، وفقاً لموازنة 2024-2025، وتحصل الحكومة على نحو 3.5 مليون طن من القمح من المزارعين المحليين، وتستورد الحصة المتبقية، وقالت الهيئة العامة للسلع التموينية أمس الجمعة، إن "منظومة الخبز المدعم مستقرة".

صفقة توريد مباشرة

تعد القاهرة من أكبر مستوردي القمح في العالم، إذ تنفق نحو 104 مليارات جنيه (2.1 مليار دولار) سنوياً على الواردات التي يأتي معظمها من روسيا.

وكانت الهيئة العامة للسلع التموينية (مسؤولة عن شراء الحبوب الحكومية في مصر) حاولت إجراء أكبر ممارسة لها على الإطلاق في أغسطس الماضي، التي أمر بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بهدف التحوط من الأخطار الجيوسياسية، لكن الهيئة حصلت على سبعة في المئة فحسب من الكمية المستهدفة التي تبلغ 3.8 مليون طن، واستكشفت البلاد خيارات منها القروض المصرفية لشراء القمح وإجراء صفقات مباشرة مع التجار.

وقالت مصادر يوم الأربعاء الماضي إن الهيئة أبرمت صفقة مباشرة لشراء كمية من قمح البحر الأسود في الفترة ما بين نوفمبر المقبل وأبريل 2025، وقدر أحد المصادر الكمية الإجمالية بنحو 3.12 مليون طن.

وفي خطوة أخرى لتوفير النفقات أعلنت الحكومة المصرية في نهاية مايو الماضي للمرة الأولى منذ 30 عاماً رفع سعر رغيف الخبز المدعوم بنحو 300 في المئة، لتحرك سعر الرغيف من خمسة قروش (0.0011 دولار) إلى 20 قرشاً (0.0042 دولار) بداية من السبت المقبل الموافق لمطلع يونيو 2024.

التزام بالمواصفات

وفي نهاية أغسطس الماضي طرح مسؤولون خطة لزيادة معدل استخراج الدقيق من القمح للخبز المدعوم إلى 93.3 في المئة من 87.5 في المئة، وأكدت الهيئة العامة للسلع التموينية أمس الجمعة التزامها بالمواصفات ومعدلات استخراج الدقيق من القمح.

وإضافة إلى ذلك ذكرت ثلاثة مصادر في قطاع المخابز أن وزارة التموين اقترحت استخدام دقيق الذرة الأرخص في صناعة الخبز، وهي فكرة لم تتراجع عنها بالكامل.

وتعارض المخابز الخطة، وتقول إن الدقيق الذي توجد به نسبة أكبر من النخالة يتطلب أوقات خبز أطول وسيزيد من كلف العمالة، وتعارض المطاحن الخطة أيضاً نظراً إلى حصولها على مدفوعات على أساس كمية القمح التي تطحنها، التي من المتوقع خفضها.

وتظهر بيانات وزارة الزراعة الأميركية أن مصر تستهلك نحو 15.3 مليون طن من الذرة سنوياً، وتستخدمها في تغذية الحيوانات بصورة أساسية، وبينما انخفضت كميات المحصول المنتج محلياً على مدى العامين الماضيين إلى نحو 7 ملايين طن، وهو انخفاض يعزوه المحللون إلى تغير المناخ والآفات، أعلنت الحكومة خطة لتوسيع زراعة الذرة في مشاريع استصلاح تنفذها الدولة.

وتزرع مصر الذرة الرفيعة بكميات ضئيلة، وتستورد بدورها بمليون دولار سنوياً، معظمها من الهند، وتستورد ما قيمته مليون دولار من الذرة الرفيعة، وفقاً لقاعدة بيانات "كومتريد" التابعة للأمم المتحدة.

مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، إذ تنتج 100 مليار رغيف خبز مدعم سنوياً، وتمنح الخبز المدعوم لنحو 70 مليوناً من السكان البالغ عددهم أكثر من 110 ملايين نسمة، في إطار برنامج ضخم لدعم الغذاء.

ووفقاً لوزارة التموين المصرية، يصرف نحو خمسة أرغفة خبز مدعم (يباع بأقل من كلفته الحقيقية لمصلحة محدودي الدخل على البطاقات التموينية) يومياً للفرد المقيد ببطاقة التموين بإجمالي 150 رغيف خبز شهرياً، وتنتج القاهرة نحو 270 مليون رغيف يومياً، مما يعادل 121 مليار رغيف سنوياً ينتجها نحو 28 ألف مخبز، ويمتلك المصريون نحو 23.179 مليون بطاقة تموينية يستفيد منها نحو 71.479 مليون مواطن.

في غضون ذلك أشار تقرير صادر عن المركز المصري للدراسات الاستراتيجية إلى اهتمام الحكومة بتحسين منظومة التموين القائمة، إذ جاء إصلاح منظومة دعم السلع التموينية كجزء من حزمة سياسات متكاملة، في سبيل زيادة حجم السلع المقدمة للمواطنين وضمان وصولها إلى مستحقيها، واتخاذ إجراءات لترشيد الاستهلاك وتحسين كفاءة إنتاج واستخدام موارد الدولة، وعليه ارتفع دعم الخبز ودعم السلع التموينية بصورة مستمرة من نحو 31.9 مليار جنيه قبل عام 2014 ليصل إلى 127.7 مليار جنيه (2.643 مليار دولار) في موازنة العام المالي 2023-2024.

وفي ظل تطبيق تلك المنظومة الجديدة للسلع التموينية، زاد الدعم الموجه للمواطن 350 في المئة، وأصبح المواطن يشتري السلع شهرياً وفقاً لحاجاته.

وبحسب التقرير فإنه على صعيد دعم منظومة الخبز بذلت الدولة جهوداً من خلال البطاقات الذكية التي أطلقتها الحكومة في أغسطس عام 2014، لتطبق في جميع محافظات الجمهورية.

وأشار التقرير إلى أن منظومة دعم الخبر نجحت في القضاء على الطوابير اليومية أمام المخابز والقضاء على ظاهرة تسرب الدقيق المدعم، وترتب على ذلك تقليل كمية الدقيق المهدرة سنوياً التي تراوح قيمتها ما بين 11 إلى 12 مليار جنيه (0.227 إلى 0.248 مليار دولار) كانت تذهب إلى غير المستحقين، وانخفاض كمية القمح المستهلك إلى نحو 1.9 مليون طن مقارنة بعام 2013.

وذكر التقرير أن التحول إلى الدعم النقدي المشروط نجح تماماً في ضوء تطبيق برنامجي "تكافل" و"كرامة"، اللذين بدأ تنفيذهما في يناير 2015 ويقدمان دعماً نقدياً مشروطاً للفقراء، إذ يختص برنامج "تكافل" بالأسر التي تعاني الفقر الشديد على أن يكون لديها أطفال في الفئة العمرية حتى 18 سنة، أما برنامج "كرامة" فيستهدف الفئات التي تعاني الفقر الشديد وغير القادرة على الكسب أو العمل ككبار السن (65 سنة فأكثر) أو من لديه عجز كلي أو إعاقة تمنعه من العمل.

مخصصات الدعم تتجاوز 10.9 مليار دولار

كانت الحكومة المصرية رفعت قيمة مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية في موازنة السنة المالية الماضية 2023-2024 إلى 529.685 مليار جنيه (10.966 مليار دولار) من 425.993 مليار جنيه (8.819 مليار دولار) المخصصة في الموازنة السابقة.

وكشف تقرير المركز المصري للدراسات الاستراتيجية عن أن باب الحماية الاجتماعية يستحوذ على نحو 17.7 في المئة من إجمالي مصاريف الموازنة الجديدة البالغة 2.99 تريليون جنيه (61.904 مليار دولار)، ليستحوذ دعم السلع التموينية على النصيب الأكبر من قيمة الدعم بنسبة 38.9 في المئة وبقيمة تبلغ نحو 127.7 مليار جنيه (2.643 مليار دولار)، فيما وصلت قيمة دعم المواد النفطية إلى 119.4 مليار جنيه (2.472 مليار دولار) خلال موازنة العام المالي 2022-2023.