الأموال الساخنة.. بين تحسين سعر الصرف وتهديد الاستقرار المالي


12 مليار دولار من الأموال الساخنة تهرب خارج مصر خلال أيام

الاثنين 19 اغسطس 2024 | 11:20 صباحاً
الأموال الساخنة
الأموال الساخنة
محمد عاشور شوشة

 التنوع في الأدوات وصكوك السوق المحلية أبرز أدوات المالية للحماية من خروج الأموال الساخنة

أحمد سعيد: السندات وأذونات الخزانة قصيرة الأجل أفضل الطرق الاستفادة من الأموال الساخنة

خالد الشافعي: رفع الفائدة السبيل الوحيد لجذب الأموال الساخنة

- توظيفها واستغلالها بشكل جيد فور دخولها يساهم في معالجة الخلل الاقتصادي

وليد جاب الله: مصر تعتمد نسبيا على الأموال الساخنة خلال 2024 نتيجة الالتزامات الدولية الكبير

- بداية 2025 تتجه الحكومة إلى تقليص استثمارات الأجانب في الدين الحكومي

مينا رفيق: البورصة تعاود الاعتماد على الاستثمارات طويلة الأجل للتقليل من الأموال الساخنة

- المستثمرين العرب يسيطرون على البورصة حاليا

ريمون نبيل: أموال المستثمرين في الوقت الحالي لا تركز على البورصة 

أثار خروج نحو 12 مليار دولار من الأموال الساخنة خلال الأيام القليلة الماضية الكثير من التساؤلات حول أهمية تلك الأموال في دعم الاقتصاد وطريقة الحفاظ على استمرارها خاصة في ظل بحثها الدائم على أعلى فائدة حول العالم.

ظاهرة الأموال الساخنة

تُعتبر ظاهرة الأموال الساخنة من أبرز القضايا التي تشغل اهتمام صُناع القرار الاقتصادي في مصر والعالم أجمع. هذه الأموال تحمل في طياتها إمكانات هائلة للنمو الاقتصادي عبر ضخ السيولة في الاقتصاد ودعم الاستثمارات وتحسين سعر الصرف، لكنها في الوقت نفسه قد تشكل تهديدًا نسبيًا على الاستقرار المالي، كونها استثمارات قصيرة الأجل تتدفق من وإلى أسواق المال بسرعة بحثًا عن أعلى العوائد وعادة ما تستهدف هذه الأموال الأسواق الناشئة مثل مصر.

ولم تتأثر البلاد بخروج الأموال الساخنة خلال الأيام الماضية (والتي تُقدر بنحو 12 مليار دولار)، بفضل اتخاذ بعد الإجراءات الاستباقية، منها التنوع في الأدوات ودراسة عمل صكوك في السوق المحلية، وفقًا لتصريحات أحمد كوجك وزير المالية، الذي أوضح أن مصر دولة ناشئة منفتحة على العالم ويوجد مستثمرون أجانب يريدون دخول السوق المصرية.

وحصلت مصر على 45 مليار دولار في صورة أموال ساخنة منذ تعويم سعر صرف الجنيه في مارس الماضي، ويتراوح إجمالي هذه الأموال حاليا بين 34 و35 مليار دولار، معظمها في أذون وسندات خزانة، في حين ذهب 1% منها إلى البورصة، حسبما صرح الدكتور فخري الفقي رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب.

وفي سياق هذا التقرير، نُسلط الضوء على الآليات التي يمكن من خلالها الاستفادة من هذه الأموال مع الحد من آثارها السلبية وأدوات وسياسات التي يمكن للدولة اتخاذها للتحوط من مخاطر هروب هذه الأموال، وكيفية بناء اقتصاد أكثر مرونة وقدرة على مواجهة التقلبات، ومدى إمكانية اعتماد الاقتصاد المصري عليها، وأيضًا إمكانية الاستغناء عنها، وكيفية الاستفادة القصوى من هذه الأموال مع تقليل مخاطرها.

الاستثمار في الأجنبي

بداية أكد الدكتور أحمد سعيد، أستاذ القانون التجاري الدولي، أنه لا توجد دولة تستطيع الاستغناء عن الاستثمار الأجنبي والإنغلاق على الذات، لأنه سيحرم الدولة من رؤوس الأموال القادمة مع المستثمرين في شكل سيولة نقدية، وكذلك أفكار المستثمر الأجنبي بالتكنولوجيا القادم بها من بلاده، بجانب الحرمان من الترويج للاستثمار في حد ذاته.

وأوضح الخبير الاقتصادي في تصريح لـ«العقارية»، أن الأموال الساخنة قد تكون استثمارات مباشرة أو غير مباشرة، مشيرًا إلى أن الاستثمارات غير المباشرة عبارة عن استثمار الأموال بالتعاون مع الحكومة بالاتفاق على نسب أرباح معينة، من خلال إصدار سندات وأذونات خزانة مقابل نسب ربح ثابتة من أرباح المشروعات القومية التي استخدمت فيها مع تحديد مدة الاستثمار، أي أنها قد تكون سنة أو 3 سنوات، وقد تكون استثمارات قصيرة الأجل بمدد تبدأ من شهر وقد يتم تجديدها وهذه من تسمى بالأموال الساخنة.

وأشار إلى أنه على الدولة الترحيب بالأموال الساخنة في شكل سندات وأذونات خزانة قصيرة الأجل بشرط عدم استخدامها في مشروعات طويلة الأجل، وإنما في مشروعات تجارية قصيرة الأجل مثل البورصة وأسواق المال وذلك حتى تُدر عوائد فعلية خلال المدة المحددة قبل خروجها مرة أخرى.

الدكتور أحمد سعيد، أستاذ القانون التجاري الدوليالدكتور أحمد سعيد، أستاذ القانون التجاري الدولي

التحوط على الأموال الساخنة

وكشف الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي، ورئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية، سُبل تحوط البنك المركزي المصري على الأموال الساخنة بما إنها سريعة الدخول والخروج، موضحًا أنها سُميت بهذا الاسم نظرًا لأنها ساخنة دائمًا وتنتقل إلى الأسواق ذات العوائد العالية، ولذا يتجه المركزي إلى إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة إلى حين تحقيق الغرض من وجود هذه الأموال، وخصوصًا وأنها غير مرتبطة بمواعيد معينة خلال العام وإنما بأسعار الفائدة.

وعن كيفية تعظيم الاستفادة من الأموال الساخنة بشكل مثالي، قال الخبير الاقتصادي في حديثه للجريدة «العقارية»، إن الأموال الساخنة انجذبت إلى السوق المصري بعد رفع أسعار الفائدة، واستطاعت مصر توظيفها واستغلالها بشكل جيد فور دخولها لمعالجة الخلل الاقتصادي الموجود حتى لا تؤثر سلبًا على السوق والوضع الاقتصادي المصري وقت هروبها.

وأشار إلى نجاح البنك المركزي المصري في التحوط على الأموال الساخنة مؤخرًا من خلال اتخاذ خطوات مسبقة، مستدلًا على ذلك بعدم تأثر أسعار الصرف والأوضاع الاقتصادية المصرية بشكل يُذكر بعد خروج 12 مليار دولار خلال الأسبوع الماضي، منوها بأن كل اقتصادات العالم تتأثر بدخول وهروب هذه الأموال خصوصًا وأنها تُحدث وفرة من العملة الصعبة وبالتالي استحواذ على القوة الشرائية.

الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصاديالدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي

تأثير الأموال الساخنة على الاقتصادات

من جهته، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور وليد جاب الله، إن الجميع يعلم خطورة آلية التمويل عبر استخدام الأموال الساخنة، لاسيما الاستثمارات الأجنبية في الديون الحكومية، موضحًا أن هذه الاستثمارات تتسم بكونها قصيرة الأجل، وقدرتها على الدخول والخروج من الأسواق بصورة سريعة.

وأشار الخبير الاقتصادي في حديثه مع «العقارية»، إلى دور الأموال الساخنة في دعم كثير من الاقتصادات، وانهيار اقتصادات أخرى لبلدان عدة. لكن ورغم خطورتها المعروفة؛ لا تستغنى الدول عن الأموال الساخنة.

وأوضح أن خطورة الأموال الساخنة تظهر في حال حدوث اضطرابات فُجائية، مثلما حدث مع مصر قبيل انتشار فيروس كورونا الذي أضر بالاقتصاد المصري وقتها بعد تسببه في هروب الأموال الساخنة، لكن مصر استطاعت التغلب على هذه الأزمة وقتها، وعادت إلى استخدامها في مرحلة التعافي من كورونا، مرورًا بتفاقم تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

وأكد أن اعتماد مصر النسبي على الأموال الساخنة خلال العام الجاري 2024 جاء نتيجة الالتزامات الدولية الكبيرة بنسب أكبر من الأعوام المقبلة، مرجحًا أن يكون استخدام الحكومة لهذه الأموال استخدامًا مؤقتًا لتجاوز تحديات 2024، وأنه اعتبارًا من العام المقبل 2025 قد تبدأ الدولة في تقليص استثمارات الأجانب في الدين الحكومي على وجه التحديد، مستدلًا على ذلك باتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي على خفض الدين العام كنسبة من إجمالي الناتج المحلي بصورة تدريجية خلال الفترة المقبلة.

ونوه إلى أن استثمار الأموال الساخنة في الديون الحكومية تستخدم على سبيل الاستثناء وليس الأصل، وتستخدم بضوابط وحدود معينة، مشيرًا إلى أن مصر تعاملت مع الملف في ظل الظروف الطبيعية لكنها تأثرت بها في الظروف الاستثنائية، مرجحًا أن يكون لدى الحكومة مخططًا لخفض استخدام الأموال الساخنة خلال الفترة المقبلة.

الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصاديالخبير الاقتصادي الدكتور وليد جاب الله

تأثير الأموال الساخنة على البورصة المصرية

يقول مينا رفيق، مدير قسم البحوث بشركة المروة لتداول الأوراق المالية، إن المؤسسات الأجنبية تخارجت من السوق المصري خلال السنوات الماضية، ولكن بدأت العودة من جديد خلال الأيام الماضية وخاصة بعد الخطوات التي اتخذتها الحكومة في شهر مارس الماضي، لافتا إلى أن البورصة تعتمد على الاستثمارات طويلة الأجل ولكن بسبب نقص الدولار كان الاعتماد على السندات بشكل كبير، ولكن مع تعافي الاقتصاد المصري وإبرام عدد من الصفقات مثل صفقة رأس الحكمة، سوف يكون هناك استثمارات طويلة الأجل للتقيل من الأموال الساخنة التي تدخل البلاد.

وأضاف «رفيق»، أن هناك تخوف من قبل المصريين بشأن التعامل في البورصة وهذا يرجع إلى ثقافة الشعب بشكل عام وهو ما صورته السينما في بعض الأعمال بخسارة رجال الأعمال جميع أموالهم في البورصة وهو ما أثر بشكل كبير على تعامل المصريين في البورصة، مشيرا إلى أنه يجب أن تكون هناك توعية إعلامية بشأن التعامل مع البرصة من قبل المصريين، وأن يكون هناك توضيح للمزايا والمكاسب من خلال الاستثمار في البورصة، كما يجب أن تضع البورصة عدد من المحفزات والمزايا للشركات الغير مقيدة حتى يتم تشجيع الشركات بالتداول في البورصة والترويج المزايا التي سوف تستفيد منها من خلال القيد في البورصة.

وأوضح مدير قسم البحوث بشركة المروة لتداول الأوراق المالية، أن أسعار الأسهم في البورصة المصرية متدنية للغاية وهي فرصة جيدة للمستثمرين سواء المصريين أو الأجانب بالتداول في البورصة، فسعر الأسهم في البورصة المصرية أقل من السعر العادل، فتوجد بعض الشركات القيمة السوقية تتخطى الـ 100 مليار والقيمة السوقية لها في البورصة لا تتخطى الـ 10 مليار، مؤكدا أن المستثمرين العرب هم من يسيطرون على البورصة في الوقت الحالي ونجدهم يدخلون في العديد من الاستثمارات.

وكشف رفيق سبب سيطرة شركة طلعت مصطفى وcib على البورصة، مؤكدا أن هذا بسبب عدم وجود شركات عديدة في البورصة فهم يستحوذون على القيمة السوقية، كما أن القيمة السوقية ضعيفة وشركة طلعت مصطفى وبنك cib قيمتها التسويقية مرتفعة للغاية لذلك نجدهما يسيطران على البورصة.

مينا رفيق، مدير قسم البحوث بشركة المروة لتداول الأوراق الماليةمينا رفيق، مدير قسم البحوث بشركة المروة لتداول الأوراق المالية

مواعيد دخول وخروج الأموال الساخنة

من جانبه، قال ريمون نبيل خبير أسواق المال، إن الأموال الساخنة دائم نجدها تدخل وتخرج في البلاد الناشئة بشكل عام وليست في البورصة فقط وخاصة عندما تكون هناك فوائد مرتفعة في أصول الخزانة والسندات، وهو ما حدث في مصر خلال الـ 3 سنوات الماضية، لافتا إلى أن أموال المستثمرين في الوقت الحالي لا تركز على البورصة.

وردا على سؤال لماذا يخسر المصريون في البورصة، أكد «نبيل»، أن مقياس الربح العالمي في البورصة من 5 إلى 7 %، ولكن في مصر لا توجد ثقافة التعامل في البورصة ويتم أخذ المعلومات من على السوشيال ميديا والتعامل مع شركات غير موثقة لذا يخسر المتعاملون كل أموالهم، لأنه لا توجد منظومة تقوم بتوعية المستثمرين الذين يريدون التداول في البورصة سواء للأفراد أو الشركات، وأن المصريين يريدون جني الأرباح من البورصة من أول أسبوع لشراء الأسهم وهو أمر خاطئ لذا نجد ضياع أموال العديد من المواطنين بشكل كامل في البورصة بسبب قلة الخبرة وعدم الثقافة والاستعجال في جني الأموال.

وأوضح خبير الأسواق، أنه توجد بعض الشركات أسهمها أقل 70% من قيمتها وتوجد بها أصول وسيولة مالية تفوق قيمتها 4 أضعاف الموجودة على الشاشة، كما أن أسعار الأسهم في البورصة المصرية غير عادلة، مشيرا إلى أن هناك قطاعين أساسيين في البورصة وهما قطاع العقار وقطاع البتروكيماويات فهم يمتلكون سيولة وأصول كبيرة للغاية والاستثمار بهما مضمون بشكل كبير.

وتابع: أن شركة طلعت مصطفى وبنك cib حجم تداولها في البورصة مرتفع للغاية، منوها إلى أن شركة طلعت مصطفى آخر 6 أشهر نتائج أعمالها كبيرة جدا وذلك بفضل مشروعاتها المتواجدة في مصر وخارج مصر وكان آخرهم المدينة الجديدة في السعودية وهو ما أدى إلى رفع أسهم الشركة، كما أن ميزانية شركة طلعت مصطفى هذا العام هي أكبر ميزانية خلال الـ 10 سنوات الماضية.

وعن سبب عدم تعامل المستثمرين باليورو في البورصة، لفت خبير أسواق المال إلى أن العملة السائدة هي الدولار لذا يتم التداول في البورصة بالدولار لذا لا نجد تعامل من قبل المستثمرين باليورو على الرغم من أن الدولار في مؤشر البورصة في القاع.

وأكد أن البورصة المصرية هي بورصة ناشئة لذا لا نجد تداول العديد من الشركات في البورصة، وكما أنه هناك العديد من القطاعات بالكامل لم تدرج في البورصة حتى الآن مثل قطاع الزراعة والتجارة والنقل، وذلك بسبب عدم وجود ثقافة التعامل في البورصة مثل أوروبا نجد المواطنين يضعون جزء من أموالهم في البورصة.

ريمون نبيل خبير أسواق المال