تشهد العلاقات السعودية المصرية حالة من الحراك خاصة في الشأن الاقتصادي، وجاءت تصريحات وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح بخصوص تحويل ودائع المملكة بمصر إلى استثمارات لتعزز من فرص الاستثمارات بين البلدين.
أثارت تلك التصريحات العديد من التساؤلات عن إمكانية استحواذ قطاع العقارات على نصيب الأسد من الودائع داخل البنك المركزي المصري والبالغة 10.3 مليار جنيه، لما يتميز به القطاع من قيمة تنافسية عالية وتحقيق أرباح مضمونة.
وتعد السعودية في الوقت الحالي هي الشريك الاقتصادي الأبرز والأقوى لمصر بعلاقة قوية وضع أسسها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، كانت نقطة انطلاقتها في 2016 بإبرام 17 اتفاقية شكلت خارطة طريق للتعاون الاقتصادي بين البلدين، في مجالات الإسكان والبترول والتعليم والزراعة والصحة.
ومن أبرز الاتفاقيات بين البلدين، إنشاء محطة كهرباء غرب القاهرة بتكلفة 100 مليون دولار، وتطوير مستشفى قصر العينى بقيمة 120 مليون دولار، وفي عام 2018 اتفق البلدان على تأسيس صندوق استثماري مصري - سعودي بإجمالي 16 مليار دولار لضخ الاستثمارات السعودية فى تلك المشروعات فى عدد من محافظات مصر.
وطبقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن قيمة الاستثمارات السعودية في مصر بلغت خلال العام المالي 2022 / 2023 نحو 2.4 مليار دولار مقابل 491.6 مليون دولار خلال العام المالي 2021 / 2022 بزيادة 1.9 مليار دولار، وبنسبة ارتفاع قدرها 474.3%.
وأظهر "الإحصاء" التطور الفعلي في قيمة الاستثمارات السعودية في مصر خلال الـ 10 سنوات الماضية، والتي شهدت حالة من التذبذب ما بين الارتفاع والانخفاض لكنها صعدت وبقوة مؤخرًا.
كما بلغت قيمة الاستثمارات خلال "2013/2014"، 284.4 مليون دولار، ثم ارتفعت بنسبة 128.2% خلال عام "2014/2015" لتسجل 649.1 مليون دولار، وتراجعت في عام "2015/2016" بنسبة 51.8% لتسجل 313 مليون دولار، وعادت للارتفاع في 2016/ 2017 لتصل إلى 343.7 مليون دولار بنسبة ارتفاع قدرها 9.8%.
وانخفضت من جديد في "2017/2018" بنسبة 13.7% لتسجل 296.7 مليون دولار وارتفعت في "2018 / 2019" بنسبة 45% لتصل إلى 430.1 مليون دولار، ث ثم انخفضت 17.2% لتسجل 356.2 مليون دولار، واستمرت في الانخفاض لتبلغ 325.3 مليون دولار بنسبة انخفاض قدرها 8.7%.
كما ارتفعت من جديد إلى 491.6 مليون دولار في 2021 / 2022 بنسبة 51.1% عن العام السابق عليه.
كل ما سبق جعل من السعودية المستثمر الأول عربيًا وعالميًا في مصر باستثمارات بلغت 32 مليار دولار حتى 2023 وكان النصيب الأكبر منها لصالح شركات صندوق الاستثمارات العامة السعودي.
ومؤخرًا، أزاح وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح الستار عن عزم بلاده تحويل ودائعها لدى البنك المركزي المصري إلى استثمارات والمقدرة بـ 10.3 مليار دولار، من بينهم 5.3 مليار دولار واجبة السداد بنهاية أكتوبر 2026، كاشفًا عن نية بلاده زيادة استثمارات صندوق الاستثمارات العامة السعودي في مصر الفترة المقبلة.
الممكلة تتصدر قائمة الاستثمارات العربية في مصر بقطاعات متنوعة.. و"بي تك" و"موبكو" و "إي فاينانس" أبرز الاستحواذات
السنوات الماضية شهدت استحواذات ضخمة من الجانب السعودي على شركات مصرية كان أبرزها "بي تك" والتي استحوذت الشركة السعودية المصرية للاستثمار على حصة فيها بلغت 34% بقيمة 3 مليارات جنيهات، واستحوذ الصندوق السيادي السعودي، على حصة 25% من أسهم شركة مصر لإنتاج الأسمدة "موبكو" الحكومية، بعد شراء حصص مملوكة لجهات حكومية، بقيمة بلغت 7.1 مليار جنيه تقريبا.
وفي السياق نفسه، تمكن الصندوق من شراء نحو 19.8% من أسهم شركة "إي فاينانس" المتخصصة في المجال التكنولوجي بقيمة بلغت 7.5 مليار جنيه مصر، أيضًا باعت القابضة للنقل 297.95 مليون سهم من أسهم الاسكندرية لتداول الحاويات بقيمة اجمالية 3.02 مليار جنيه بمتوسط سعر بيع للسهم الواحد 8.11 جنيه.
وخلال آخر عامين، استهدفت المملكة تنفيذ مشروعات مع مصر في مجالات الطاقة والبترول والصناعات الغذائية، والدوائية، وتكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني، والإعلام بداية من النصف الثاني لـ2022، إذ وقعت المملكة 14 اتفاقية بقيمة استثمارات تتجاوز 29 مليار ريال بين القطاع الخاص السعودي والمصري.
وفي 2023، وقعت مصر والمملكة، عدد من الاتفاقيات في قطاعات مختلفة، لزيادة التعاون بين البلدين خاصة في المجالات الاقتصادية، ومن بينها في مذكرتي تفاهم بين البلدين في مجالات تنمية الصادرات غير البترولية وتطوير صناعة السيارات ومجالات أخرى، وذلك في الوقت الذي وصلت فيه الاستثمارات السعودية بمصر إلى 6 مليارات دولار، في قطاعات الصناعة والإنشاءات والسياحة والزراعة والخدمات والتمويل والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، حسب وزير التجارة والصناعة المصري أحمد سمير.
وفي مايو الماضي قدّم الصندوق السيادي السعودي من خلال شركته السعودية المصرية للاستثمار، عرضًا للاستحواذ على شركة سيرا للتعليم، وهي أكبر شركة خاصة في قطاع الخدمات التعليمية في مصر، وهذا أول عرض استحواذ يتقدم به الصندوق منذ قرار تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية في 7 مارس الماضي.
وأما بالنسبة لاستثمارات السعودية في القطاع العقاري فقد ترددت أنباء عن رغبة المملكة الاستثمار في منطقة "رأس جميلة" بالبحر الأحمر والتي تؤول ملكيتها إلى وزارة قطاع الأعمال، حيث مباشرة قبالة مضيق تيران، وبالقرب أيضا من موقع سيقام فيه جسر عبر البحر الأحمر، وهي فكرة كشفها العاهل السعودي الملك سلمان خلال زيارة إلى القاهرة في عام 2016.
وكشفت وزارة قطاع الأعمال في وقت سابق أن الحكومة في طور الدراسة لاختيار النموذج المناسب للاستثمار في منطقة رأس جميلة.
وتبلغ مساحة الأراضي في منطقة رأس جميلة نحو 860 ألف متر، وتملكها شركتا "المنتزه للسياحة والاستثمار" التابعة للشركة القابضة للسياحة والفنادق إحدى شركات وزارة قطاع الأعمال العام، وشركة "إيماك العقبة" التابعة لوزارة الطيران المدني.
وتتضمن خطط الحكومة المعلنة لتطوير المنطقة إقامة مشروع سياحي فندقي بالمنطقة عبر طرح المشروع للشراكة مع القطاع الخاص بما يتضمن بناء فندق 5 نجوم يقدم غرفاً وشققاً وخدمات عالمية المستوى بأعلى المعايير الدولية، وتم تقييم الأرض من جهات متخصصة لتحديد حصة الشركتين المالكتين في 2021.
وقالت شركة المنتزه، على موقعها الإلكتروني، إنها نفذت أعمال البنية التحتية للمرحلة الأولى وجزء من المرحلة الثانية من المشروع من أجل توفير الشبكات اللازمة لتنشيط المشروع بشكل أكبر والشبكات المكتملة هي: شبكة الطرق، وشبكة الكهرباء، وشبكة المياه، وشبكة الصرف الصحي، وشبكة مياه الري، وشبكة الهاتف، وشبكة الإضاءة، وقد خاطبت مجموعة عجلان وإخوانه القابضة الحكومة في مصر للاستفسار عن تفاصيل وتصور الدولة لمشروع رأس جميلة على ساحل البحر الأحمر.
وعلى مستوى القطاع الخاص، وقعت شركة "أدير العالمية" يوليو الماضي 3 شراكات مع كبرى شركات التطوير العقاري المصرية، تضمنت شركة حسن علام العقارية، وشركة ميلي التابعة لشركة الأهلي صبور، وشركة باراجون للتطوير العقاري، حيث تهدف هذه الشراكات إلى تعزيز التطوير العقاري بمصر، ودعم رؤية المخطط الاستراتيجي القومي للتنمية العمرانية لمصر 2052.
"فاس" تخطط لضخ 1.5 مليار دولار استثمارات بالقطاع العقاري.. و"اللامي" تنوي إنشاء فندق بشرم الشيخ وتطوير 85 فدان بالحزام الأخضر
وتستهدف شركة "فاس للاستثمار والتطوير العقاري"، التابعة لمجموعة "فواز الحكير" السعودية، والتي يبلغ حجم استثماراتها في مصر حاليًا 5 مليار دولار العمل على ضخ 1.5 مليار دولار استثمارات في مصر خلال 2024، ليصبح إجمالي ححم استثمارات الشركة في السوق المصري يقارب الـ 7 مليارات دولار في قطعات مختلفة أبرزها القطاع العقاري.
كما تنوي مجموعة "اللامي القابضة" التابعة لـ محمد طلعت اللامي والمالكة لـ 3 فنادق في شرم الشيخ بطاقة 2000 غرفة استثمار 500 مليون دولار في مصر، وذلك بافتتاح فندق جديد في شرم الشيخ باستثمارات 50 مليون دولار، وبطاقة فندقية 500 غرفة، إضافة إلى حصولها على استهدافها تطوير 85 فداناً في منطقة الحزام الأخضر بـ 6 أكتوبر، حيث من المقرر تدشين مشروع سكني ومول تجاري باستثمارات 100 مليون دولار.
وقال مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، بلال شعيب، في تصريحات خاصة لـ "العقارية"، إن تحويل السعودية ودائعها البالغة 10 مليارات دولار إلى استثمارات قائمة في السوق المصري أمرًا مهمًا جدًا لضبط المالية العامة في مصر، خصوصًا في ما يتعلق بجزئية خدمة الدين سواء كانت ممثلة أو قروض.
وأضاف شعيب أن تحويل القروض إلى رأس مال له انعكاس إيجابي على الوضع الاقتصادي لمصر، مشيدًا بالخطوات التي تتخذها الدولة في هذا الشق والتي سبق ونفذتها مع الصين عبر مبادلة أصول بديون، ومؤخرًا بمشروع "رأس الحكمة"، وها هي من جديد تتكرر مع السعودية.
وتابع الخبير الاقتصادي أن النقطة الأميز في هذه الاستثمارات أن السعودية قد تضيف إلى الـ 10 مليارات دولار أموالًا أخرى للاستثمار الفعلي في مصر بأية ألية متاحة سواء كانت شراكة أو غيرها.
وذكر أن مصر لديها حريطة استثمارية كبيرة، متوقعًا أن تستهدف السعودية الاستثمار في القطاع السياحي وأن تساند مصر في تحقيق مستهدفها من مضاعفة عوائد السياحة إلى 50 مليار دولار، وهذا ما يحتاج إلى مضاعفة عدد الغرف الفندقية حوالي 3 أضعاف بحول 2030، لذلك سيكون هذا القطاع هو الأنسب بشكل أكبر.
وذكر الدكتور علي عبد الرؤوف الإدريسي، المحلل الاقتصادي، في تصريحات خاصة لـ "العقارية"، أن القطاع العقاري سيكون الأكثر جذبًا لهذه الاستثمارات بحكم الطفرة التي تشهدها مصر فيه، خصوصًا في ظل مساهمته في الناتج القومي لمصر بنسبة تصل إلى 20%.
وأكمل الإدريسي أن تجربة "رأس الحكمة" قد تتكرر من جديد في البحر الأحمر عبر "رأس جميلة"، وقد يتجه جزء أخر منها إلى صناعة السيارات الكهربائية في ظل اهتمام الجانب السعودي بشكل كبير بهذه الصناعة الهامة في ظل اهتمام مصر بها.