فى إطار دوره الرائد لتنشيط ودعم الاقتصاد القومى على كافة المستويات، أطلق البنك المركزى المصرى مبادرة تحفيز التمويل متناهى الصغر، والتى يستفيد منها نحو 10 ملايين مواطن بحجم تمويلات يصل إلى 30 مليار جنيه، وذلك بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعى وهيئة الرقابة المالية واتحاد بنوك مصر والاتحاد المصرى للتمويل متناهى الصغر.
وتستهدف المبادرة تشجيع وتحفيز البنوك على تقديم التمويلات اللازمة لنحو 750 جمعية أهلية ومؤسسة مجتمع مدنى تعمل فى هذا المجال فى إطار قانونى وتشريعى منظم وفعَّال وفقا للقانون 141 لسنة 2014، خاصة أن إجمالى حجم التمويلات متناهية الصغر بنهاية 2016، سواء الممنوحة من البنوك بشكل مباشر أو من خلال الجمعيات والمؤسسات يبلغ نحو 6.6 مليار جنيه لعدد 2 مليون عميل.
فى البداية، استهل طارق عامر.. محافظ البنك المركزى المصرى، كلمته فى المؤتمر الصحفى الخاص بإطلاق المبادرة، بالتأكيد على أن «المركزى» تبنى مبادرة التمويل متناهى الصغر نظرا للبُعد الاجتماعى المهم والكبير لهذا القطاع الحيوى، فضلا عن أثره الإيجابى فى الوصول إلى الشمول المالى، مشددا على أن «المركزى» لديه إصرار كبير وعزيمة قوية على تحقيق سياسة الشمول المالى بمختلف الوسائل والإمكانيات المتاحة.
وأشار إلى أن الأسبوع العربى للشمول المالى شهد فتح حوالى 181 ألف حساب بنكى جديد بمتوسط 3000 جنيه للحساب الواحد، بينما بلغ حجم الإيداعات الجديدة حوالى 290 مليون جنيه وتم توزيع 615 ألف نشرة تعريفية.
وأضاف «عامر» أن فكرة هذه المبادرة بدأت بالتواصل مع عدد من الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدنى التى لها نشاط اجتماعى كبير وهى حوالى 750 مؤسسة وجمعية، وقد تم صياغة المبادرة بالتعاون مع هذه المؤسسات من أجل إيصال التمويل متناهى الصغر إلى كافة ابناء المجتمع المصرى لتتوفير المزيد من فرص العمل وزيادة كفاءة الوساطة المالية من خلال استخدام القنوات المتميزة والاستفادة من الجهد الكبير المبذول من هذه المؤسسات على مدار السنوات الماضية، مؤكداً أن دخول البنوك فى تمويل هذه المؤسسات يعطيها قوة دافعة كبيرة جداً ويضاعف من قدراتها للوصول إلى المواطنين فى القرى الفقيرة.
وكشف محافظ البنك المركزى أنه يجرى حالياً التحضير للاجتماع الخاص بالمجلس القومى للمدفوعات المقرر عقده برئاسة رئيس الجمهورية، موضحاً أنه سيتم عرض تصورات البنك المركزى فيما يتعلق بمسألة الدفع عبر الموبايل والقنوات التكنولوجية المختلفة خلال هذا الاجتماع.
وأكدت الدكتورة غادة والى.. وزيرة التضامن الاجتماعى إن الجهود المبذولة لدعم التمويل متناهى الصغر ليست وليدة اليوم، مشيرة إلى أنه تم تكليفها فى عام 2004 بوضع أول استراتيجية قومية للإقراض متناهى الصغر، وكان ذلك بالتنسيق مع البنك المركزى المصرى، حيث جرى العمل على صياغة هذه الاستراتيجية لمدة عام كامل تم خلاله الاطلاع على تجارب مختلفة من دول كثيرة إلى أن تم إطلاق هذه الاسترتيجية فى عام 2005.
وأوضحت أن أهم الأركان التى نادت بها الاستراتيجية حينها هو دخول القطاع المصرفى لضخ تمويلات للجمعيات الأهلية لكى تتمكن من القيام بواجبها، مؤكدة أن اهتمام البنك المركزى بهذه المبادرة يُعطى رسالة ثقة حول مدى قدرة المؤسسات الأهلية على الوصول للفقراء وتحقيق الشمول المالى، خاصة بعد أن تم الترخيص لحوالى 750 جمعية أهلية ومؤسسة مجتمع مدنى من قبل هيئة الرقابة المالية تهتم بهذا القطاع الكبير.
وأضافت أن أهم الدروس المستفادة من تجارب الدول المختلفة، والتى تمت مراعاتها أثناء العمل على الاستراتيجية، هوعدم قدرة المؤسسات المالية غير المصرفية على قبول الودائع من المواطنين، وقد تمت التوصية بذلك الأمر نظراً لأن الجمعيات الأهلية فى مصر ليس لديها البنية التحتية اللازمة لهذا الأمر، فضلاً عن أنها غير مراقبة، وبناء عليه كانت المطالبة للجهاز المصرفى، بعد الترخيص لمؤسسات المجتمع المدنى والجمعيات والشركات، بالقيام بتمويلها وفقا لإطار تشريعى واضح، وبالتالى تعتبر خطوة البنك المركزى بإعلان هذه المبادرة مهمة للغاية حيث تشجع البنوك على التعامل مع مؤسسات المجتمع المدنى، خاصة أن قدرة هذه المؤسسات على التوسع فى الإقراض ستتزايد بعد التعامل مع البنوك.
كما أكدت د.غادة والى أن المبادرة تُعطى بعداً آخر تماماً للشمول المالى، خاصة فى ظل الحاجة الشديدة فى الوقت الحالى لأن يكون فى كل قرية من قرى مصر فرصة عادلة لمن يريد الحصول على تمويل، والأهم من ذلك أن يكون هناك خط ائتمان مستدام مبنى بالأساس على حسن أداء الجمعية أو المؤسسة الأهلية وحسن أداء المواطنين فى الوقت نفسه.
وأضافت أن القانون سمح بوجود شركات متخصصة فى التمويل متناهى الصغر، حيث إن ثلث التمويل الذى يخرج من تحت مظلة الرقابة المالية تمنحه تلك الشركات، مطالبة بضرورة التنسيق بين هيئة الرقابة المالية والبنك المركزى والبنوك العاملة للوصول إلى صورة كاملة للسوق ورصد حجم التمويل الممنوح بشكل دقيق ومفصل.
وفى كلمته، أعلن جمال نجم.. نائب محافظ البنك المركزى المصرى أن نشاط التمويل متناهى الصغر يمثل جزءاً من السياسة النقدية للبنوك المركزية على مستوى العالم حاليا هو جزء يتعلق بالشمول المالى وخلق فرص العمل، مؤكداً أن الجهد الذى قامت به هيئة الرقابة المالية ساهم بشكل كبير فى خلق شركات لها الصفة القانونية والاعتبارية للعمل فى هذا النشاط، مشيرا إلى أن الهيئة قطعت شوطا كبيرا فى هذا الأمر، وهو ما يسهل المهمة أمام البنوك فى منح التمويل والائتمان لهذه الجمعيات بناء على قدرتها وحسن أدائها.
وأضاف أن أهم المرتكزات التى سيقوم عليها نشاط التمويل متناهى الصغر فى الفترة المقبلة هو إنشاء الاتحاد المصرى للتمويل متناهى الصغر، مضيفا أن حجم التمويل الموجود حاليا يمثل حوالى 4.5 مليار جنيه يستفيد منه 2 مليون مواطن، ومن المستهدف عند إنشاء الاتحاد المصرى للتمويل متناهى الصغر أن يصل حجم التمويل المنوح إلى 30 مليار جنيه ويصل عدد المستفيدين إلى 10 ملايين مواطن على الأقل، وبالتالى تم الاتفاق مع الشركات والجمعيات والتعاون مع هيئة الرقابة المالية والبنوك للتوصل إلى نموذج عمل استرشادى للبنوك يمكنها العمل من خلاله فى هذه المنظومة الجديدة على القطاع المصرفى.
ويرى نائب محافظ البنك المركزى المصرى أن المعضلة الأساسية تتمثل فى أن بعض البنوك التى تتعامل على هذه الفئات كانت تقوم بتسجيلها ضمن محافظ التجزئة المصرفية، لافتا إلى أنه سيتم، بالتعاون مع البنوك، قياس العملاء ومعرفة حجم وطبيعة ونوع كل عميل لكى نستطيع معرفة السوق بشكل أفضل.
ومن ناحيتها، أكدت الدكتورة لبنى هلال نائب محافظ البنك المركزى المصرى إن مبادرة التمويل متناهى الصغر تأتى تكليلا للجهود المبذولة فى هذا النشاط منذ 15 عاما، لافتة إلى أن هناك عوامل كثيرة فى الوقت الراهن تضمن نجاح هذه المبادرة، وءهم هذه العوامل هو قوة الجهاز المصرفى، بالإضافة إلى الترخيص للجمعيات الأهلية للقيام بدور تمويلى تحت مظلة رقيب تنظيمى.
وأضافت أن البنك المركزى قرر تبنى هذه المبادرة كمبادرة قومية وسيدفع البنوك لتحقيق الهدف منها للوصول بعدد المستفيدين إلى 10 مليون مواطن على اسس سليمة ومنظمة خاصة فى ظل المرحلة الاقتصادية الفارقة فى تاريخ مصر حاليا التى تتطلب عدم الاعتماد على التوظيف الحكومى أو التمويل من الخزانة العامة ولكن الاعتماد على المبادرات الاجتماعية الفعَّالة ايضاً.
وأوضحت أن الجانب الاهم فى المبادرة هو تمكين المرأة ماليا من خلال مشروعات متناهية الصغر، خاصة أن المرأة هى صاحبة النصيب الأكبر من التمويلات الممنوحة لهذا النشاط، سواء من حيث عدد العملاء أوقيمة التمويل.
ووصف شريف سامى.. رئيس مجلس إدارة هيئة الرقابة المالية، قانون 141 لسنة 2014 الخاص بتنظيم نشاط التمويل متناهى الصغر بأنه أهم تشريع اقتصادى صدر خلال السنوات الخمس الماضية، لافتا إلى أن القانون وضع اطار تشريعى لمجموعة من الأفكار الخاصة بقطاع عريض جدا يحتاج إلى مصادر تمويلية سهلة وبسيطة.
وأضاف أن القانون نص على أن التمويل متناهى الصغر حتى 100 ألف جنيه ولأغراض إنتاجية فقط، لافتا إلى أن الهيئة قاومت توصيات بجعل التمويل لأغراض استهلاكية، كما روعى فى القانون عدم قبول ودائع من العملاء نظرا لوجود جهاز مصرفى قوى ومنتشر، لأن السماح للجمعيات بقبول ودائع يترتب عليه مشاكل، حيث إن أغلب هذه الجمعيات لن تستطيع استيفاء شروط الحصول على اموال من المواطنين.
وقال سامى: «بعد صدور القانون أصبح من حق البنوك أن تُقرض الجمعيات والمؤسسات الأهلية، حيث إنه بعد هذا القانون تم الترخيص للجمعيات الأهلية والشركات المتخصصة فى التمويل متناهى الصغر، فضلاً عن زيادة عدد الجمعيات إلى أكثر من 750 جمعية».
وأوضح أن الجمعيات الأهلية مُقسمة إلى 3 فئات، منها كيانات كبيرة تصل محفظتها إلى أكثر من 500 مليون، وكيانات صغيرة تصل محفظتها إلى 200 ألف جنيه، والعميل الذى يريد الحصول على تمويل متناهى الصغر لا ينظر إلى حجم الجمعية بقدر ما ينظر إلى مدى تفهمها لظروفه الاقتصادية ونمط حياته وتوفير التمويل له بسهولة.
وكشف أن حجم التمويل المقدم حتى نهاية 2016 بلغ حوالى 4.5 مليار جنيه، منها ٪23 مقدمة من شركات متخصصة والباقى من الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدنى، مؤكداً أن أهم ما يميز نشاط التمويل متناهى الصغر هى صيغة العقود الجماعية والتضامن على السداد بين مجموعة من المستفيدين، وبالتالى فإن نسب التعثر تكون ضيئلة للغاية فى هذا النشاط.
الدكتورة منى ذو الفقار.. رئيس الاتحاد المصرى للتمويل متناهى الصغر، أوضحت أن الاتحاد تأسس بموجب القانون رقم 141 لسنة 2014 وتمت الانتخابات لأول مجلس إدارة فى سبتمبر 2015، مشيرة إلى أن الاتحاد يهدف إلى تنمية هذا القطاع وتوصيل الخدمة لكافة أنحاء الجمهورية واستهداف الشريحة غير القادرة وتشجيعها على التعامل مع البنوك.
وأضافت أن الاتحاد يسعى لتقديم خدمات مالية متنوعة ويتطلع إلى توزيع وئائق تأمين متناهى الصغر وزيادة حجم محافظ الجمعيات والجهات المانحة من خلال التعامل مع البنوك ودعمها المستمر فى ضوء تبنى البنك المركزى لهذه المبادرة المتميزة.
وأشارت إلى أن الاتحاد بذل مجهودا كبيرا مع شركة Iscore للوصول إلى قاعدة بيانات عن حجم التمويل المباشر من البنوك والصندوق الاجتماعى وباقى الجهات الخاضعة لهيئة الرقابة المالية، مشيرة إلى أنه بعد اطلاق المبادرة سيكون هناك تقرير متكامل للمستفيد النهائى الذى قامت البنوك بتمويله وحجم المحافظ، ومن هنا يمكن تحسين الخدمة والتركيز بشكل أوسع على الفئات المستهدفة.
وأوضحت إن الاتحاد المصرى للتمويل متناهى الصغر يضم فى عضويته 8 بنوك وهى الأهلى المصرى ومصر والتجارى الدولى والقاهرة وقطر الوطنى وفيصل الاسلامى والمصرف المتحد والمصرى الخليجى، لافتة إلى أن حجم التمويل متناهى الصغر الممنوح من البنوك بشكل عام يقدر بحوالى 2 مليار جنيه بنهاية 2016، لعدد عملاء نشطين 183 ألف عميل فى حين يبلغ متوسط التمويل حوالى 12 ألف جنيه.