قال الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، إن لكل علم أو فن أسراره ودقائقه التي لا يعرفها إلا من يسبر أغواره ويحيط بكل جوانبه ودقائقه وأبعاده، ومن هذه الدقائق العلاقة بين الدين والسياسة، وبين الدين والوطن، وبين السياسي والوطنى.
وأضاف : "أما الدين فأمره بَيِّنٌ واضح، تحكمه علاقة العبد بربه (عز وجل)، حتى علاقاته بالآخرين والمجتمع والوطن فهي - في المنظور الديني - من باب مرضاة الله (عز وجل)، فكل ما يؤدي إلى تحقيق صالح البلاد والعباد، والبناء والتعمير، ومكارم الأخلاق، فهو من صميم مقاصد الأديان، أما ما يؤدي إلى الهدم والتخريب وأذى الآخرين فالأديان منه براء".
وأوضح الوزير : أما السياسة فعامة وحزبية، فالعامة تعني إدارة شئون البلاد والعباد والمؤسسات بما يحقق صالح الوطن وأهله، وأما السياسة الحزبية فمع كونها أداة ديمقراطية لا غنى عنها لإثراء المشهد السياسي العام، فإن على مؤسسات الدولة جميعا دينية أو غير دينية أن تنأى بنفسها عن دعم أي حزب على حساب آخر أو مرشح انتخابي على حساب آخر.
وأضاف الوزير : وأما الجوانب الوطنية فهي تلك القضايا التي لا غنى عنها لبناء وطن وتحقيق أمنه وسلامته وتقدمه وازدهاره، وتجنيبه كل ما يعوق مسيرة تقدمه أو ينال منها، وعندما يتناول الخطاب الديني القضايا الوطنية والاجتماعية إنما يتناولها من منظور إيمانه بها ودعمه لها إعلاءً للمصلحة العامة ولا يجادل أحد في أن البعد الاجتماعي أحد أهم مجالات إصلاح المجتمع، ودليل تحضره، وعلامة رقيه، وأحد أسباب تقدمه ، فحين انكفأ الخطاب الديني على نفسه وغاب عن معالجة قضايا المجتمع اتُّهِمَ أصحابُه بالرجعية وأنهم يعيشون خارج الزمن، فإذا أخذ علماء الدين بزمام المبادرة في أداء واجبهم تجاه المجتمع اتهمهم البعض بخلط الديني بالسياسى.
وأكد الوزير، أن تناول القضايا الوطنية والاجتماعية والمجتمعية لا يعد أبدًا من باب خلط الديني بالسياسي، والعبرة بطريقة الأداء والتناول، فالجوانب المهنية والفنية هي عمل أهل الاختصاص، أما الجوانب الإصلاحية العامة المتعلقة بالمصالح والمفاسد، واحترام النظام العام للمجتمع ، فهي رسالة نبيلة لكل المصلحين من العلماء، والمفكرين، والإعلاميين، فالإصلاح مسئولية مجتمعية مشتركة، على أننا نؤكد أنه كلما ارتفع المستوى الثقافي وارتفعت درجة الوعي في أي مجتمع من المجتمعات وَضَعَ الأمور في نصابها، وقاسها بمقاييس دقيقة وتكاملت مؤسساته في معالجة قضاياه ، وحل التوافق محل التنازع والتناحر بين أبنائه .
ويجب أن نفرق بين ما يكون الحكم فيه دينيًّا بحتًا ، وما يكون الحكم فيه مهنيًّا مرجعه إلى أهل الاختصاص ، ويتبع الرأي الديني فيه الرأي المهني التخصصى، ففي مجال الطب يأت الرأى الشرعى مبنيًا على الرأي الطبى، وفي مجال الهندسة فإن الرأي الشرعي يتبع الرأي الفني الهندسي ، فقواعد العمل وضوابطه هي اختصاص أهل كل فن، ولكن من خرج على القواعد واللوائح والقوانين فأدى خروجه إلى قتل النفس فهو قاتل ، فإن أضر بحياة الناس فإثمه بقدر الضرر الواقع منه ، فالقاعدة أنه لا ضرر ولا ضرار.
واختتم وزير الأوقاف: "ففي مجال مخالفات البناء مثلاً من خالف الارتفاعات المسموح بها أو المواصفات الواجب الالتزام بها فأدت مخالفته إلى قتل الأنفس فهو قاتل، وإن أضر بمباني الآخرين المجاورة لزمه التعويض ، وإن اعتدى على أملاك الآخرين عوقب على قدر اعتدائه ، مع أكله السحت بكل مال اكتسبه بالمخالفة، وإذا كان الهدف لدى بعض الناس هو الزيادة في جمع المال فعليه أن يدرك أن كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به".