تراقب الحكومات والشعوب الأوروبية عن كثب ما ستؤول إليه الانتخابات البريطانية بعد أيام معدودة، أما الرسالة الأوروبية الموجهة إلى لندن فتختصر بترحيب بها في العائلة الأوروبية ولكن ليس بأي ثمن.
ومن باريس إلى باليرمو وصولاً إلى برلين وبروكسل، أثار ديفيد كاميرون رئيس الحكومة البريطاني الخشية حول مستقبل الاتحاد الأوروبي بتعهده إجراء استفتاء حول عضوية بلاده فيه في حال إعادة انتخابه في السابع من مايو الجاري.
وبحسب "الفرنسية"، فإن الأوروبيين لا يبدو أنهم مستعدون للتوصل إلى تسوية حول كل المطالب البريطانية بتعديل المعاهدات الأوروبية، خصوصاً فيما يتعلق بحرية الحركة التي تعتبر واحدة من أهم ركائز الاتحاد الأوروبي بالنسبة لدوله الأعضاء البالغ عددهم 28 دولة.
وتقول آنا نوريس دزوغوسوفا (54 عاما) السلوفاكية المتزوجة من بريطاني، إنني لن أضحي أبدا بحرية الحركة من أجلهم، أما زوجها تيد نوريس، الموظف السابق في مجلس اللوردات "الهيئة العليا في البرلمان البريطاني"، فيوضح أنه شعر بـ"الخوف" من عقلية "ابن الجزيرة"، مضيفاً أنه إذا كانت بريطانيا تريد مغادرة الاتحاد الأوروبي، فلندعها تذهب في طريقها.
وتراقب دول أوروبا الشرقية، من الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي، الانتخابات البريطانية عن كثب خاصة أن مئات الآلاف من مواطنيها انتقلوا إلى بريطانيا بحثا عن فرص عمل مستفيدين من تخفيف القيود على الهجرة منذ عقد من الزمن.
ويريد كاميرون تعديل القواعد المرتبطة بالهجرة وبالمخصصات التي يفترض أن يحصل عليها المواطنون الأوروبيون في بريطانيا، في ظل تزايد الشكوك حول تصويت البريطانيين فعليا لصالح خروجهم من الاتحاد الأوروبي في حال نظم كاميرون الاستفتاء الذي تعهد به في 2017.
ويعتقد باول ماشالا (43 عاما)، الفني البولندي الذي يعمل في صيانة السكك الحديد في بريطانيا منذ 2005، أن البريطانيين لن يوافقوا على مغادرة التكتل الأوروبي حتى في حال تنظيم استفتاء، ويقسم ماشالا وقته بين بريطانيا وجاروسلاو "جنوب بولندا" حيث زوجته وابنه، ويوضح أن البولنديين في بريطانيا لا يعتقدون بفرض قيود قاسية على الحركة حتى إذا خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وتمتد الشكوك حول خروج بريطانيا إلى ألمانيا، القوة السياسية والاقتصادية في أوروبا، ويرى أنجو سبيتش (38 عاما) في أحد مطاعم فرانكفورت، أن البريطانيين سيستمرون في هذه الخطة حتى النهاية، ولا يجب التقليل من أهمية اعتماد بريطانيا على أوروبا.
وتستفيد فرانكفورت وباريس كثيرا في حال فقدت لندن أهميتها كمركز مالي إثر خروجها من الاتحاد الأوروبي، ويسافر سبيتش مرتين شهريا إلى لندن للعمل، ويؤكد أنه إذا فرضت قيود إضافية على الدخول، فسأقلل من زياراتي إلى لندن.
وتتزايد الخشية في بروكسل من احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقد أثبتت لندن نفسها كعضو فعال على اعتبار أنها ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، وواحدة من أهم القوى العسكرية، فضلا عن كونها عضوا في مجلس الأمن الدولي ودولة نووية عضو في حلف شمال الأطلسي.
وبدا جان كلود جونكر رئيس المفوضية الأوروبية الأسبوع الماضي وكأنه يلوح بالتسوية عبر حديثه عن احتمال إجراء تغييرات على معاهدات حول قضايا معينة، ولكن حرية الحركة ليست ضمنها.
وليس سراً على أحد أن بعض المسؤولين في بروكسل يفضلون فوز إد ميليباند رئيس حزب العمال لتفادي الاستفتاء الذي يخطط له كاميرون، وهو موقف صارم أبعد عنه حلفاء كان من الممكن أن يساعدوه على فرض بعض التعديلات التي يأمل بها، ومن بينهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وأكد دبلوماسي فرنسي طلب عدم الكشف عن اسمه، أنه ليس على حلفاء بريطانيا أن يدفعوا ثمنا باهظا لذلك.
وفي حال فوزه بالانتخابات، فإن قضية خروج بريطانيا ستكون على رأس برنامج القمة الأوروبية في يونيو حيث من المتوقع أن يعرض كاميرون مطالبه بالكامل. ويتفق المحللون مع المواطنين الأوروبيين على أنه من المستبعد أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويوضح جريجوري كلايز، من معهد "بروجل" للأبحاث ومقره بروكسل، أنه أيا كان من سيفوز بالانتخابات فإن الخيار الأفضل لبريطانيا هو البقاء في الاتحاد الأوروبي، ولا أعتقد بجدية مسألة المغادرة. ويرجح ماتس بيرسون، مدير مركز "أوبن يوروب"، أن يختصر الاستفتاء بمسألة "الهجرة مقابل العمل"، وأوضح أمام جلسة نقاش في بروكسل الشهر الحالي أن علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي تجارية أي أنها قائمة على دراسة الكلفة والأرباح، ليست عاطفية كما في مناطق أخرى من القارة. ومن شأن خروج بريطانيا أن يهدد العلاقات الشخصية عبر القارة، وفي هذا الصدد تشير إيفجينيا هريستوفا (56 عاما)، المترجمة من بلغاريا، إلى أن ابنها يعمل في مصرف في لندن ولديه الجنسية البريطانية، وسيكون من الصعب عليها الذهاب لزيارته، لأن مجرد التفكير في الصفوف الطويلة أمام السفارة البريطانية يصيبها بالرعب.