تراجع الاقتصاد الإسرائيلي.. أظهرت بيانات لمكتب الإحصاءات المركزي الإسرائيلي، أمس الأحد، أن الاقتصاد الإسرائيلي نما في الربع الثالث من العام بشكل أبطأ مما كان متوقعا في البداية، ومن المتوقع أن يتراجع النمو بشكل حاد في الربع الرابع بسبب الحرب مع حركة حماس.
تراجع الاقتصاد الإسرائيلي
ونما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5% على أساس سنوي في الفترة من يوليو/ إلى سبتمبر/ مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة، مقارنة بالتقدير السابق البالغ 2.8%. وعلى أساس نصيب الفرد، نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.6%.
ونما الاقتصاد بنسبة 6.5% في عام 2022، وهو ما يرجع جزئيا إلى التأثير السلبي للحرب، ومن المتوقع أن يبلغ النمو نحو 2% في عام 2023، وفق "رويترز".
تكلفة حرب إسرائيل على غزة
فقد دلّت سلسلة من التقارير الصادرة في الأيام القليلة الأخيرة، على أن كلفة الحرب قد تتجاوز بشكل كبير التقديرات الإسرائيلية الرسمية، بشأن وضعية الموازنة العامة التي تجاوز العجز فيها آخر التقديرات في ظل الحرب، وهذا ناجم عن ارتفاع أكبر في الصرف على الحرب باتجاهات عدّة، وعن تراجع كبير في مداخيل الضرائب، خاصة من قطاع البناء الذي باتت حالته تهدد أكثر النمو الاقتصادي، الذي يشهد تراجعاً أصلاً. في المقابل، فإن تقارير أخرى تحدثت عن نقص حاد في الإنتاج الزراعي والغذائي بسبب نقص الأيدي العاملة، كما الحال في قطاع البناء. وفي ظل هذا كلّه، قال تقرير جديد، إن الفجوات الاجتماعية بين الشرائح الميسورة والشرائح الأشد فقراً هي الأكبر مقارنة مع واقعها في دول الاتحاد الأوروبي.
فقد أعلن المحاسب العام للدولة، هذا الأسبوع، أن العجز في الموازنة الإسرائيلية العامة بلغ مع نهاية تشرين الثاني نسبة 3.4% من حجم الناتج العام، وهذا يعادل أكثر من 62 مليار شيكل (16.7 مليار دولار)، وأن العجز سيصل إلى نسبة 4% مع نهاية الشهر الجاري، الذي هو نهاية العام 2023، وهذا أكبر من التقديرات الرسمية التي توقعت عجزاً بأقل من 3.5% بفعل الحرب، و1.5% قبل شن الحرب.
وقال تقرير المحاسب، إن الصرف الحكومي زاد في شهر تشرين الثاني الماضي بحوالى 11 مليار شيكل (قرابة 3 مليارات دولار)، في حين أن مداخيل الضرائب تراجعت، وتقول جهات رسمية إسرائيلية، إن كل الصرف الفعلي المشار إليه، لا يشمل بعد تسديد فواتير الصرف على من تم إخلاؤهم من محيط قطاع غزة ومن بلدات الشريط الحدودي في الشمال، ومنها تسديد نفقات الفنادق، ومخصصات ورواتب لمن توقفت أعمالهم من هذه البلدات.
أزمة البناء والإسكان
بموازاة هذه التقارير، قال تقرير جديد لاتحاد المقاولين، صدر هذا الأسبوع، إن قطاع البناء والإسكان يشهد أزمة عميقة جداً تهدد النمو الاقتصادي، خاصة أن قطاع البناء يشكل نسبة 13.5% من حجم الناتج الاقتصادي العام، كما يقول رئيس اتحاد المقاولين راؤول سروغو، إذ إن بيع البيوت الجديدة تراجع حتى نهاية تشرين الثاني الماضي بنسبة 45%، هذا بعد أن كان البيع قد تراجع في النصف الأول من العام الجاري بنسبة 30%، بفعل تردي الأوضاع الاقتصادية والارتفاع الحاد في نسبة الفائدة على القروض الإسكانية في تلك الأشهر، وهي مستمرة.
وحسب التقرير، فإن هذا التراجع سيتسبب بخسارة خزينة الضرائب حوالى 40 مليار شيكل هذا العام، وهذا يعني تراجعاً بنسبة 45% في حجم الضرائب التي يدفعها قطاع البناء سنوياً.
وهذا التراجع في قطاع البناء ناجم عن تراجع عدد العاملين فيه بنسبة أكثر من 70%، إذ بقي في العمل 35 ألف عامل، من أصل 120 ألف عامل. والذين توقف عملهم هم في الأساس العمال الفلسطينيون من الضفة الغربية المحتلة، وبضعة آلاف من العمال الأجانب، كما أن نسبة عالية من العمال من فلسطينيي الداخل توقفوا عن العمل في شهر تشرين الأول، وحتى منتصف الشهر التالي، وبشكل خاص العمال فيما تسمى "الأعمال الرطبة"، والقصد منها القصارة والبلاط والطلاء، وما شابه.
نقص حاد في الإنتاج الزراعي والغذائي
استعرضت الصحافة الاقتصادية الإسرائيلية تقارير عدة تتحدث عن نقص حاد في الإنتاج الزراعي والغذائي كانعكاس لحالة الحرب، وبحسب أصحاب مزارع، وأيضاً رون تومر، رئيس اتحاد الصناعيين، فإن هذا نابع من نقص الأيدي العاملة، فهو قطاع يتميز برواتب منخفضة، لهذا فإن النسبة الأكبر للعاملين فيه هم من العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية، وأيضا من قطاع غزة، وعمال عرب من فلسطينيي الداخل، ونسبة من العمال الأجانب.
ويقول صاحب مصنع مخبوزات، إنه تمر عليه أيام يوقف فيها الإنتاج، إذ إنه حتى شن الحرب كان في المصنع 70 عاملة وعاملاً، غالبيتهم الكبيرة من فلسطينيي الداخل وفلسطينيي الضفة وعاملات من أوكرانيا، لم يبق منهم سوى قلة قليلة من اليهود القريبين من المصنع.
ويقول صاحب مزرعة في الشمال، هي أيضا مزرعة سياحية، إن مداخيل مزرعته انهارت بنسبة 75%، وهو نموذج لغيره من المزارع المجاورة.
في السوق الإسرائيلية، يتحدثون عن نقص حاد في أصناف مزروعات، مع تركيز خاص على البندورة، التي نسبة عالية منها كانت تزرع في محيط قطاع غزة، وأيضا في فاكهة الفراولة، التي تزرع بشكل كبير في الجنوب، في محيط قطاع غزة، وفي الأسبوع الماضي استوردت إسرائيل 500 طن بندورة من الأردن، بعد أن قلصت تركيا كميات التصدير الغذائي إلى إسرائيل، على الرغم من أن إسرائيل استوردت في الأسبوع الماضي نفسه 700 طن بندورة، بمعنى استيراد 1200 طن في أسبوع واحد، وهذا يعادل 30% من احتياجات السوق الإسرائيلية.
وعلى الرغم من هذا، فقد نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن أصحاب مزارع كبرى في محيط قطاع غزة قولهم، إنه لن يكون نقص في البندورة، فهم يزرعون للموسم المقبل (يكون ناضجا قريبا) واتهم المزارعون كبار المسوّقين وأصحاب الشبكات بأنهم يدّعون نقص البندورة ليبرروا الاستيراد، وهو يبقى بسعر أقل من الإنتاج المحلي.
ارتفاع كلفة جنود الاحتياط
قالت وزارة المالية الإسرائيلية، هذا الأسبوع، إن كلفة جنود الاحتياط، الذين تم تجنيدهم فعليا، حوالى ملياري شيكل أسبوعيا (حوالى 540 مليون دولار)، وهذا ضعف تقديرات بنك إسرائيل التي صدرت قبل أكثر من شهر. فحتى الآن لا يوجد تقرير رسمي يشير إلى عدد جنود الاحتياط الذين تم تشغليهم، من أصل 350 ألف جندي أجاز الكنيست للجيش تفعيلهم.
وحسب تقارير فإن الجيش لم يستدع كل العدد الذي سُمح له به، وهو عدد غير مسبوق على مدى السنين، وحسب التقديرات فإن من يتم تفعيلهم حاليا يتراوح عددهم بين 70 ألفا إلى 100 ألف جندي، لكن في تقديرات تشمل من تم تفعيلهم وتسريحهم لاحقا، فإن العدد وصل إلى 200 ألف جندي بالمجمل، ومن بينهم من طلب الجيش منهم ترك العمل مؤقتا، والبقاء في البيوت مستعدين لحالة الاستدعاء الفوري، وهم في عداد خدمة الاحتياط.
وتدخل في حسابات وزارة المالية الكلفة المباشرة للجندي، راتبه الذي يتقاضاه من مكان العمل، والصرف عليه في أثناء العدوان، مثل طعام وملابس وإقامة في المعسكرات، وأيضا الضرر الاقتصادي لانقطاعهم عن مكان عملهم.
وقالت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، إن الضرر الكلي للميزانية والاقتصاد بشكل عام، جراء تجنيد الاحتياط، بلغ في الأسابيع العشرة الأخيرة حوالى 20 مليار شيكل (5.4 مليار دولار)، لكن حسب الصحيفة فإن هذه تقديرات ليست نهائية.
الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية
يردد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من حين إلى آخر مقولة إن الاقتصاد الإسرائيلي داخل الحرب في وضع جيد، وهذا ليس تصريحا دقيقا، بموجب التقارير الاقتصادية التي كانت تسبق شن العدوان على قطاع غزة، إذ إن النمو الاقتصادي في العام الجاري كان دون نسبة 3%، وهي ليست النسبة التي تحتاجها إسرائيل، لأن نسبة التكاثر الطبيعي السنوي للسكان هي 2%، بمعنى أن جُلّ نمو بنسبة كهذه نابع من تزايد السكان، خلافا مثلا للوضع في الدول الأوروبية، فهناك نمو بنسبة 3% يعد جيداً جداً أمام تكاثر سكاني لا يتعدى 1%.
لكن نتنياهو يشير كما يبدو إلى حجم الدين العام الذي كان يعادل 60% من حجم الناتج العام، وهي النسبة المقبولة لدى المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. لكن على مستوى الجمهور العام، فإن الوضع مختلف، إذ إن التضخم المالي كان يضرب بنسب لم يعرفها الاقتصاد الإسرائيلي منذ سنوات طويلة، واللجم الحاصل حالياً هو نتيجة تراجع حركة السوق والاستهلاك الفردي والعائلي، كانعكاس لأجواء الحرب.
كذلك فإن الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية بشكل عام تردّت في العامين الأخيرين، وهذا ما أشار له تقرير لمكتب الإحصاء المركزي الحكومي الإسرائيلي في الأيام الأخيرة، إذ قال، إن الفجوة بين الشريحة الميسورة، والشريحة الأشد فقراً، بلغت حوالى 7 أضعاف، وللدقة 6.7 ضعف، على مستوى مداخيل العائلة، وهذا أعلى بنسبة 25% من معدل الفجوات القائمة في دول الاتحاد الأوروبي.
كذلك الأمر بالنسبة لخطر الانزلاق في دائرة الفقر، أو بتعبير آخر الجمهور الذي يقف على حافة دائرة الفقر، إذ إن 25.3% من الجمهور في إسرائيل هم على حافة دائرة الفقر، في حين أن نسبة الجمهور الواقع في دائرة الفقر هي حوالى 22%، بموجب تقرير الفقر الصادر في مطلع العام الجاري عن العام 2021.
وحسب تقرير مكتب الإحصاء فإن من هم على حافة دائرة الفقر، أولئك الذين يتقاضون 50% من معدل الأجور الفعلي. وللمقارنة، فإنه في حين أن 25.3% في إسرائيل هم ضمن خطر الانزلاق في دائرة الفقر، فإن معدل النسبة في دول الاتحاد الأوروبي 17%، وأعلى نسبة في الاتحاد الأوروبي هي في إسبانيا- 21.7%، بمعنى أن إسرائيل بعيدة أيضا عن أكثر الدول الأوروبية في هذا الجانب.
وحسب تقرير مكتب الإحصاء، فإن الفجوات هي أعمق وأوسع لدى جمهور المتدينين المتزمتين - الحريديم، والجمهور العربي، كما أن نسبة خطر الانزلاق في دائرة الفقر في المجتمع العربي هي ضعف النسبة العامة - 53%، وبين اليهود وحدهم 18% (نسبة أوروبية تقريبا).
ومن المفترض أن تُصدر مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية الإسرائيلية (مؤسسة التأمين الوطني) حتى نهاية الشهر الجاري، تقريرها السنوي عن حالة الفقر في إسرائيل، عن العام الماضي 2022، إلا أنه في السنوات الأخيرة لم تلتزم المؤسسة بموعدها الدائم لصدور هذا التقرير، وهو الأسبوع الأول من الشهر الأخير من كل عام، عن العام الذي سبق، فالتقرير الأخير صدر مطلع العام الجاري، عن العام 2021، ومن شبه المؤكد أن التأخير هذا العام سيكون أكبر، بفعل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وانشغال المؤسسات الرسمية به.
وحسب التقديرات، فإن نسب الفقر في العام الماضي 2022 ستكون أفضل نسبيا من العام الذي سبق، بفعل انتهاء الآثار الاجتماعية لوباء كورونا، ففي نهاية العام 2021 بلغت نسبة الفقر العامة بين الجمهور 21%، وبين الأطفال وحدهم بلغت النسبة 28%، وكالعادة برزت مجددا الفجوة كبيرة بين العرب واليهود، إذ إن نسبة الأفراد اليهود الفقراء 16%، مقابل ما يلامس 39% بين العرب، لكن هذه نسبة تدل على تراجع ملحوظ في نسبة الفقر بين العرب، مقارنة مع سنوات قليلة سابقة، كانت فيها نسبة الفقر شبه مستقرة وتتراوح بين 50% إلى 53%. ما يعني أن التقرير القريب سيتحدث عن الفقر في العام 2022، دون علاقة بالحرب، وحتى تقرير العام المقبل عن العام الجاري 2023، لن يُظهر تبعات الحرب الاجتماعية، كون أن الحرب اندلعت فقط في الربع الأخير من العام.
وفي سياق متصل، قال تقرير لسلطة التشغيل، إن عدد طالبي العمل في شهر تشرين الثاني الماضي سجل ذروة غير مسبوقة منذ فترة كورونا، إذ بلغ عددهم 332 ألف طالب عمل، أي زيادة بنسبة 47% عما كان في شهر تشرين الأول الذي سبق. والغالبية العظمى من طالبي العمل الجدد هم ممن تم إخراجهم من أماكن عملهم لإجازات ليست مدفوعة الأجر، بفعل التبعات الاقتصادية للحرب.