احتفلت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية اليوم السبت بتذكار نياحة القديس العظيم الأنبا بيشوى، حيث أقيمت القداسات في ديره بوادى النطرون وفي الكنائس والمذابح التى تحمل اسمه.
وُلد القديس بقرية شنشا بمحافظة المنوفية، حوالي سنة 320 م.، وكان أحد ستة إخوة بنين تنيح والدهم وقامت والدتهم بتربيتهم. ورأت الأم ملاكًا يطلب منها: "إن الرب يقول لكِ أعطني أحد أولادكِ ليكون خادمًا له جميع أيام حياته"، وكانت إجابتها: "هم جميعهم للرب يا سيدي، الذي يريده يأخذه". مدّ الملاك يده ووضعها على هذا القديس وهو يقول: "هذا فاعل جيد للرب". وإذ كان ضعيف البنية نحيف الجسد سألته أن يختار آخر، وكانت الإجابة: "إن قوة الرب في الضعف تكمل".
وعندما بلغ العشرين من عمره، في عام 340 م.، انطلق الشاب بيشوي إلى برية شيهيت ليتتلمذ على يديْ القديس أنبا بموا تلميذ القديس مقاريوس. وقد عكف القديس على العبادة في خلوة دامت ثلاث سنوات لم يفارق فيها قلايته، فنما في الفضيلة والتهب قلبه حبًا لله.
وبعد نياحة الأنبا بموا اتفق تلميذاه الأنبا بيشوي والأنبا يحنس القصير أن يقضيا ليلة في الصلاة يطلبان إرشاد الله، وكان من ثمرتها أن ظهر ملاك لهما وطلب أن يبقى القديس يحنس في الموضع وحده، فأطاع الأنبا بيشوي وخرج من الموضع مفارقًا صديقه، وصنع لنفسه مغارة بقرب الصخرة القبلية تبعد حوالي ميلين عن القديس يحنس.
ومن خلال قلبه النقي البسيط كان يلتقي بالسيد المسيح على مستوى الصداقة، يدخل معه في حوار، وينعم بإعلاناته الإلهية، وينظره. قيل إنه إذ كان مثابرًا في نسكه الشديد وصلواته، ظهر له السيد المسيح ليقول له: "يا مختاري بيشوي، السلام لك، قد نظرت تعبك وجهادك، وها أنا أكون معك".
مرة ثالثة، ظهر له السيد المسيح ، وقال له: "افرح يا مختاري بيشوي، أتنظر هذا الجبل؟ إني أرسل لك رهبانًا يملأونه، ويعبدونني". قال له القديس: "أتعولهم يا رب في هذه البرية؟" أجاب الرب: "إن أحبوا بعضهم بعضًا وحفظوا وصاياي فإنني أرزقهم وأعولهم في كل شيء". قال له: "هل تنجيهم من كل الشدائد المذكورة في الإنجيل؟" فقال له الرب: "الذي يخافني ويحفظ وصاياي أخلصه، وأنجي من يطيعني من كل تجاربه"، ثم باركه وارتفع.
وإذ كان الرهبان يعرفون عن القديس أنه يرى السيد المسيح مرارًا، طلبوا منه أن يشفع فيهم لينعموا برؤيته مثله، وإذ سأل ذلك من أجلهم وعده الرب أنه سيظهر على الجبل في ميعاد حدده، ففرح الإخوة جدًا، وانطلق الكل نحو الجبل وكان القديس بسبب شيخوخته في المؤخِرَة. التقى الكل بشيخ تظهر عليه علامات الإعياء والعجز عن السير فلم يبالِ أحد به، أما القديس أنبا بيشوي فاقترب منه وسأله إن كان يحمله، وبالفعل حمله وسار به ولم يشعر بالتعب. فجأة صار الشيخ يثقل عليه شيئًا فشيئًا فأدرك أنه السيد المسيح جاء في هذا الشكل، فتطلع إليه وهو يقول له: "السماء لا تسعك، والأرض ترتج من جلالك، فكيف يحملك خاطئ مثلي؟" وإذا بالسيد المسيح يبتسم له، ويقول له: "لأنك حملتني يا حبيبي بيشوي فإن جسدك لا يرى فسادًا"، ثم اختفى. ولا يزال جسده محفوظًا بديره لا يرى فسادًا. وإذ عرف الإخوة بما حدث حزنوا إذ عبروا بالشيخ ولم ينالوا بركة حمله.
وحدث الهجوم الأول للبربر على برية شيهيت سنة 407 م. وهرب الرهبان من البرية؛ ولما سأل القديس يحنس القصير الأنبا بيشوي: "هل تخاف الموت يا رجل الله؟" أجاب: "لا، لكنني أخاف لئلا يقتلني أحد البربر ويذهب إلى جهنم بسببي".
ومضى الأنبا يحنس إلى جبل القلزم عند دير الأنبا أنطونيوس حيث تنيح هناك، ومضى الأنبا بيشوي إلى مدينة أنصنا (قرية الشيخ عبادة بملوي) وسكن في الجبل هناك حيث توثقت علاقته هناك بالقديس أنبا بولا الطموهي حتى طلب من الرب ألا يفترقا حتى بعد نياحتهما، وتحقق لهما ذلك.
وظل القديس في غربته حتى تنيح في 8 أبيب (سنة 417 م.)، وقد بلغ من العمر 97 عامًا، ودُفن في حصن منية السقار بجوار أنصنا، ثم تنيح القديس بولا الطموهي، وتولى الأنبا أثناسيوس (من أنصنا) جمع القديسين، ودفنهما معًا في دير القديس أنبا بيشوي بأنصنا (دير البرشا). وفي زمن بطريركية الأنبا يوساب الأول في القرن التاسع أُعيد الجسد إلى برية شيهيت. حاليًا بدير القديس أنبا بيشوي بوادي النطرون.