وضحت دار الإفتاء المصرية أنَّ أخذ «بلازما الدم» مِن المتعافين من «فيروس كورونا المستجد» للمساعدة في علاج المرضى الحاملين له؛ هو أمرٌ جائزٌ شرعًا، ولا حرج فيه، ويُعَدُّ ذلك من المسئولية المجتمعية التي تقع على كاهل المتعافين من هذا الفيروس، ويثاب الشخص على ذلك.
وتابعت دار الإفتاء: كما أنه -ومع الاحتياج الطبي للحالات الحرجة الحاملة لهذا الفيروس- يتَعيَّن القول بوجوب مشاركة المتعافين من «فيروس كورونا المستجد» بـ«بلازما الدم» الخاصة بهم؛ للمشاركة في حَقْن المصابين بهذا الفيروس، وذلك مع مراعاة ما تُقرِّره الجهات الطبية من شروطٍ واحتياطات لأخذ البلازما من المتعافين من هذا الفيروس.
وأوضحت الدار في أحدث فتاواها أن أخذ «البلازما» من المتعافين للمشاركة في حَقْن المصابين هو مِن باب إحياء النَّفْسِ الوارد في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32]، وهو أيضًا مِن باب التضحية والإيثار اللَّذَينِ أَمَرَ اللهُ تعالى بِهِما وحَثَّ عليهما في قوله سبحانه: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: 9].
وبيَّنت أن علاج المرضى وإنقاذ المصابين وإغاثة الملهوفين والمنكوبين من الواجبات الأساسية على المسلمين؛ لأنها تعد أهم الضروريات المقاصدية الخمس التي قام على أساسها الشرع الشريف، وهي ضرورة حفظ النفس؛ حيث إنها تدخل دخولًا أساسيًّا في حفظها، يقول الإمام العز بن عبد السلام في «قواعد الأحكام في مصالح الأنام» في معرض ذكر أمثلة على تقديم الفاضل على المفضول من المصالح سواء كانت واجبة أو مندوبة؛ مُقرِّرًا أن إنقاذ النفس مما قد تُشْرِفُ عليه من خطر هو -قبل كل شيء- تأديةٌ لحق الله تعالى بالحفاظ على النفوس: «تقديم إنقاذ الغرقى المعصومين على أداء الصلوات؛ لأن إنقاذ الغرقى المعصومين عند الله أفضل من أداء الصلاة، والجمع بين المصلحتين ممكنٌ بأن ينقذ الغريق ثم يقضي الصلاة، ومعلومٌ أن ما فاته من مصلحة أداء الصلاة لا يقارب إنقاذ نفس مسلمة من الهلاك.
وكذلك لو رأى الصائم في رمضان غريقًا لا يتمكن من إنقاذه إلا بالفطر، أو رأى مصولًا عليه لا يمكن تخليصه إلا بالتقَوِّي بالفطر، فإنه يفطر وينقذه، وهذا أيضًا من باب الجمع بين المصالح؛ لأن في النفوس حقًّا لله عز وجل وحقًّا لصاحب النفس، فقدَّم ذلك على فوات أداء الصوم دون أصله» ا. هـ.
وشددت دار الإفتاء في فتواها على أن امتناع المتعافين من «فيروس كورونا المستجد» من أخذ البلازما يَفوُت به إنقاذ مَنْ أَشْرَف على الهلاك أو خِيفَ من تَدَهْوُر حالته الصحية، وفي ذلك فوات حفظ النفوس الذي هو مقدَّمٌ في الشرع الشريف.
وأشارت إلى أن الأطباء قد قرروا أَنَّ الدم مُتجَدِّد في جسد الإنسان، بل دائم التَّجدُّد والتَّغَيُّر، فالقدر المأخوذ من الدم لاستخلاص «البلازما» لا يُعْجِز الشخص المأخوذ منه، بل إنه يصح وصف هذا القَدْر المأخوذ منه بكونه زائدًا عن حاجته؛ والفاضل عن حاجة الشخص يواسى به من به حاجة؛ فعن أبي سعيد الخدري، قال: بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاء رجل على راحلة له، قال: فجعل يصرف بصره يمينًا وشمالًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان معه فضل ظهر، فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد، فليعد به على من لا زاد له»، قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنَّه لا حق لأحد منا في فضل.
ففي هذا الحديث الحث على الصدقة والجود والمواساة والإحسان إلى الرفقة والأصحاب والاعتناء بمصالح الأصحاب كما ذكر الإمام النووي. وأوضحت الفتوى أن الحاجة في أخذ «بلازما» المتعافين ثابتة وحاصلة للمصابين بهذا الفيروس؛ حيث ثبت طِبِّيًّا أنَّ العلاج بـ«البلازما» هو طوق النجاة للمرضى أصحاب الحالات الحرجة الحاملين لهذا الفيروس، لا سيما أنَّه -في سياق الاشتراطات والاحتياطات الطبية- لا يَحْصُل للمأخوذ منه البلازما ضرر أو مضاعفات صحية.
وأضافت دار الإفتاء في فتواها أن أخذ «بلازما» المتعافين للمشاركة في علاج المصابين هو من الرحمة والترابط والتواصل والمواساة التي نادى بها الدين الإسلامي الحنيف، وفي الحديث: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسْلِمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فَرَّج عن مسلم كربة، فَرَّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة»، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن نَفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نَفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يَسَّر على مُعسِر، يَسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".
وقالت الدار: "إنَّ أخذ «البلازما» من المتعافين للمشاركة في علاج المصابين هو أيضًا من مسئولية المسلم وواجباته تجاه إخوانه أبناء وطنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» (متفق عليه من حديث النعمان بن بشير)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.
وشددت الدار على أنَّه ينبغي في أخذ «بلازما الدم» من المتعافين من «فيروس كورونا المستجد» اتباع التعليمات والضوابط التي أقرَّتها الدولة من خلال وزارة الصحة المصرية لشروط أخذ البلازما؛ وذلك لأجل ضمان سلامة الشخص المأخوذ منه البلازما.
واعتبرت دار الإفتاء في فتواها أن مشاركة المتعافين من «فيروس كورونا المستجد» بـ«بلازما الدم» الخاصة بهم لحقن المصابين من هذا الفيروس؛ هو واجب وطني يَدُلُّ على إنسانية صاحبه ومروءته؛ ويثاب الشخص على ذلك، بل يتَعيَّن القول بوجوب مشاركة المتعافين من «فيروس كورونا المستجد» بـ«بلازما الدم» الخاصة بهم للمشاركة في حَقْن المصابين بهذا الفيروس؛ خاصة مع الاحتياج الطبي للحالات الحرجة.