هل تعلم أن 65% من الأطفال في المدارس سيلتحقون بوظائف تطلب مهارات وكفاءات مختلفة تماماً عن تلك المطلوبة في الوظائف الحالية وذلك وفقاً لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي عن مستقبل الوظائف عام 2016؟
كيف يمكن للكوادر البشرية أن تتكيف مع المستجدات التكنولوجية وتكتسب الخبرات والمهارات اللازمة؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه بإيجاز في المقال التالي...
يشهد سوق العمل المصرفي تحولات جذرية ناتجة عن تأثير التطورات التكنولوجية المباشر وغير المباشر على طبيعة الوظائف والمهام داخل إدارات البنوك المختلفة، هذا بالإضافة إلى تأثيرها على هيكل الجدارات والكفاءات والمهارات حالياً ومستقبلاً. فالعلاقة بين التكنولوجيا الحديثة والوظائف والمهارات علاقة معقدة؛ فالتكنولوجيا قد تقود نمو الأعمال، تخلق أدواراً ومهامَّ جديدة وتزيد من الطلب على المواهب والمتخصصين في مجال التكنولوجيا. إلا أنها قد تتسبب في الوقت ذاته في الاستغناء عن بعض الوظائف في حال استبدال العنصر البشري بالآلة في إنجاز العديد من المهام.
وتساعد التطورات التكنولوجية البنوك في الوصول للعملاء من خلال وسائل أكثر سرعة وفاعلية، إلا أن ذلك الأمر ينطوي على قدر من المخاطر والمتمثلة في ضرورة حماية الأطر والوسائل الجديدة من مخاطر الهجمات الإلكترونية الإجرامية. الأمر الذي يترتب عليه زيادة الطلب في سوق العمل على المتخصصين في مجال إدارة أمن المعلومات والشبكات والخبراء في مجال الأمن السيبراني. كما يزداد الطلب بشكل كبير على الخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي ومحللي البيانات.
وبجانب المهارات التكنولوجية الفنية، فمن المتوقع أن يتزايد الطلب في السنوات المقبلة علي العديد من المهارات الشخصية والاجتماعية في العمل مثل مهارات التحليل المنطقي والقدرة على حل المشكلات، التفكير الإبداعي، الذكاء العاطفي، القيادة واتخاذ القرار، مهارات التفاوض والمرونة والقدرة علي التأقلم مع المتغيرات المستمرة بنجاح.
وعلى الرغم من ازدياد أهمية الدور الذي تلعبه التكنولوجيا الحديثة في الغالبية العظمى من البنوك في العالم، إلا أن نسبة كبيرة من القادة بالصناعة المصرفية أشاروا إلى اتساع الفجوة في المهارات التكنولوجية في السنوات الأخيرة. فالطلب على المهارات التكنولوجية يفوق العرض في أغلب الوظائف والأدوار الحيوية، بحيث أصبح استقطاب تلك المهارات من أهم التحديات التي تواجه القطاع المالي للمُضي قدماً في تحقيق خطط التحول الرقمي بنجاح.
وتتنافس البنوك مع شركات التكنولوجيا المالية الناشئة والكيانات التكنولوجية العملاقة لاستقطاب العمالة التكنولوجية الماهرة. وبشكل عام تواجه البنوك صعوبة في استقطاب الكفاءات التكنولوجية عالمياً نتيجة لعدة أسباب منها قلة أو ندرة تلك المهارات في سوق العمل بشكل عام. هذا بالإضافة إلى تفضيل تلك الكفاءات العمل لصالح الكيانات التكنولوجية العملاقة مثل جوجل وأمازون التي قد تعجز بعض البنوك عن منافستها؛ نظراً للرواتب المرتفعة التي تمنحها تلك الكيانات للمتخصصين. ويرى العديد من المتخصصين في مجال التكنولوجيا أن الكيانات التكنولوجية العملاقة تتيح لهم فرص أفضل لتطوير مهاراتهم.
ونظراً للأهمية القصوى للكفاءات التكنولوجية في سوق العمل بشكل عام، وفي القطاع المصرفي بشكل خاص، فقد تم تطوير العديد من الاستراتيجيات المقترحة لحل الفجوة المرتبطة بتلك المواهب. وتستند تلك الاستراتيجيات على عدة محاور يتمثل أهمها في:
صياغة استراتيجية مخصصة للمواهب في مجال التكنولوجيا
تخصيص المزيد من الاستثمارات لدعم التطور التكنولوجي
صياغة خطط لتنمية المسار الوظيفي داخل المؤسسة
العمل في فرق عمل فعالة ومرنة
توفير فرص التدريب والتطوير المناسبة
إشراك الكوادر التكنولوجية في عملية صنع القرار وقيادة التغيير
إعادة النظر في الامتيازات الوظيفية الممنوحة
ويعد دخول البنوك والمؤسسات المالية عالمياً في شراكات مع المؤسسات التعليمية لتطوير المناهج، بما يتوافق مع متطلبات وتوقعات سوق العمل في المستقبل من أهم الحلول المقترحة عالمياً للتغلب على مشكلة نقص المواهب التكنولوجية، أو عدم توفر المهارات اللازمة في هذا المجال. وتجدر الإشارة إلى أن المؤسسات التي ستنجح في التغلب على مشكلة الفجوة في المواهب خاصة في المجال التكنولوجي هي التي ستمتع بميزة تنافسية أكبر.
فعلى مستوي المؤسسات، ينبغي على إدارات الموارد البشرية صياغة استراتيجية فعالة للقوى العاملة وخطة لاستقطاب المواهب بما يتوافق مع متطلبات السوق. وفي هذا السياق، لا بد وأن يدرس القادة تأثير تطبيق التكنولوجيا على إنتاجية الموظفين، تجربة العملاء، أسلوب العمل مع التركيز على الأعمال التي تضيف المزيد من القيمة.
كذلك تستطيع البنوك تعظيم أرباحها وأدائها وإنتاجيتها من خلال تطوير الآليات والطرق التي تقوم بها لاختيار وتعيين الموظفين الجدد، وآليات تقييم وترقية الموظفين وطرق تشكيل فرق عمل ناجحة. ويساهم وجود إطار متكامل للكفاءات القائمين على إدارة الموارد البشرية بشكل أساسي للتعرف على العوامل الحقيقية، التي تؤدي إلى رفع مستويات الأداء والإنتاجية بين العاملين. علاوة على إدراج العاملين في عملية التعليم والتدريب المستمرة المناسبة، مع تيسير تطوير خطة لتنمية مهارات كل موظف علي حدة.
وفيما يتعلق بالموظفين أنفسهم، ينبغي وأن يتمتع كافة العاملين بالقطاع المصرفي بعقلية متفتحة، وأن يكون لديهم الشغف والطموح المستمر للتعلم. فيتعين على كل موظف إعادة تقييم مهاراته والعمل على تطويرها لضمان الوصول إلى مكانة أفضل في عمله. فلابد وأن يكون كل شخص على دراية جيدة بنقاط قوته للاستثمار فيها بشكل أكبر، وأن يكون لديه أهداف وظيفية محددة يسعى إلي تحقيقها، وأن يتعامل دائما مع أي تغيير على أنه فرصة وليس عقبة أمام النجاح. ولن تقوم التكنولوجيا فقط باستبدال العمالة، إلا أنها ستوجه العاملين بالبنوك إلى اكتساب مهارات متعددة وتعزيز قدراتهم على القيام بعدة وظائف ومهام مختلفة داخل البنك بدلا من الالتزام بالتخصص الدقيق وفقاً لآليات العمل التقليدية.
وفي النهاية، تجدر الإشارة إلى أن التطورات والتغيرات التكنولوجية المتلاحقة التي شهدها القطاع المصرفي سلطت الضوء بشكل أكبر على أهمية التدريب والتعليم المستمر. فضخ المزيد من الاستثمارات لتطوير مهارات العاملين يعد أمرا محوريا لنمو ونجاح أي مؤسسة.