سجل الدولار مكاسب كبيرة مقابل الجنيه المصري خلال الأشهر القليلة الماضية، والتي بلغت ذروتها الأسبوع الماضي، وقبل بدء الأزمة وتحديداً في مارس من العام الماضي، كان يجري تداول الدولار مقابل الجنيه المصري عند مستوى 15.77 جنيه، لكن مع بداية العام الحالي 2023 تم تحريك سعر صرف الدولار مقابل الجنيه ليسجل مستوى 32.20 جنيه ثم يتراجع لـ 30.81 في الوقت الحالي ، ليرتفع سعر الصرف بنسب تتجاوز 104% خلال عام واحد.
رغم هذه الارتفاعات القياسية التي سجلها سعر صرف الدولار في السوق الرسمية، عادت بنوك وشركات استثمار للحديث عن القيمة العادلة أو السعر العادل للدولار مقابل الجنيه المصري.
ربطت كبرى البنوك والمؤسسات المالية العالمية عودة الحديث عن السعر العادل للدولار، والتصريحات الواردة من صندوق النقد الدولي بشأن ضرورة اعتماد سعر صرف مرن مع تعويم كامل للجنيه المصري مقابل الدولار، ما هو فصل جديد لتعويم رابع ينتظر سوق المال المصري.
الخبير المصرفي هاني أبو الفتوح قال إن السوق مازالت تشهد حالة من التذبذب وعدم الاستقرار، وصندوق النقد الدولي بدوره طالب الحكومة المصرية بتوفير المرونة الكاملة والحقيقية للجنيه أمام الدولار، دون أي تدخل لدعمه، مع ضمان استدامته مرهوناً بالعرض والطلب.
التحرير الرابع المنتظر لسعر الجنيه أمام الدولار
وحول موعد التحرير الرابع المنتظر لسعر الجنيه أمام الدولار، أكد «أبو الفتوح» أن الكل أمام يقف في حيرة أمام موعد التحرير الجديد، لأن التوقعات أشارت إلى لاحتمالية تحريك السعر قبل اجازة عيد الفطر المنتحية الأسبوع الماضي ولم تحدث، فذهبت التوقعات لاحتمالية تحريك السعر خلال الأجارة ولم يحدث أي جديد كما لاحظنا، وأيضاً الكل توقع ان تكون الحركة بعد انتهاء أجازة العيد وتحديداً في يومي الأربعاء والخميس الماضيين لكن لم يحدث أيضاً، مما يشير باستحالة تحديد أو توقع موعد تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار، مع أن الأمر ليس بالسر الخطير ليتم التعامل معه بهذه السرية.
إخفاء موعد تحرير السعر
وأشار «أبو الفتوح» إلى أنه لا ينبغي على مؤسسات الدولة زيادة الحرص على إخفاء موعد تحرير السعر وسط التقارير العالمية وحديث صندوق النقد الدولي عن تحرير مرتقب لسعر الصرف ومرونة مطلوبة فيه، وكذلك مؤسسات التقييم الإئتماني آخرهم تقييم «ستاندرد آند بورز» التي أعادت النظر في تقديراتها المستقبلية لدرجة آفاق الدين المصري وغيرته من "مستقر" إلى "سلبي" بسبب الحاجات الكبيرة لتمويلات خارجية تتوقعها بشأن المالية العامة، كما ثبتت نظرتها لدرجة التصنيف الائتماني للدين السيادي المصري عند الدرجة «بي / بي»، أيضاً تحدثت في تقريرها عن ضرورة خفض سعر الجنية.
أضرار جسيمة في الاقتصاد المصري
وأوضح الخبير المصرفي أن عدم اتخاذ خطوات حاسمة في ملف تحرير سعر الصرف له أضرار جسيمة تضرب الاقتصاد المصري، وتضعف من العوائد الدولارية لمصر، وهو بالفعل ما لاحظناه في تحويلات العاملين المصرييثن بالخارج والتي بدأت تتناقص تدريجياً بشكل كارثي، والتي تعتبر من أكبر الموارد الدولارية للدولة المصرية.
وتسائل عن البدائل الأخرى للبنك المركزي المصري أو للحكومة غير تخفيض الجنيه، مشيراً إلى أن صفقات الاستحواذ على الأصول المصرية متوقفة، وكذلك برنامج الطروحات الحكومية متوقف، فما المبرر وراء عدم التعامل مع هذا الملف الحساس.
تحرير السعر ليس بالحل السحري
وأضاف «أبو الفتوح» أنه لابد من التسليم بأن تحرير السعر له أثاره السلبية الأخرى على الاقتصاد وليس بالحل السحري الذي سيخرج مصر من أزمتها الحالية، مشيراً إلى أن تخفيض السعر وحده ليس علاجاً فعالاً، وإنما يحتاج لاصلاحات وإجراءات اقتصادية أخرى، مع إتاحة محفزات للاستثمار وتغييرالسياسات النقدية، والوقوف على أسباب عدم نجاح إجراءات تحرير السعر الثلاثة الماضية.
تهذيب القوانين الخاصة بتشجيع الاستثمار
وحول هذه السياسات والقرارات الاقتصادية التي يحتاجها الاقتصاد المصري أوضح «أبو الفتوح» أن الاقتصاد المصري بحاجة لمزيد من التهذيب للقوانين الخاصة بتشجيع الاستثمار والعمل على جذب المستثمرين من جميع دول العالم، مع توفير كافة الضمانات القانونية لهم، وأيضاً توفير مناج استثماري وإنتاجي لزيادة فرص الجذب بل والاحتضان، مع إزالة العوائق أمام المستثمر المحلي قبل الأجنبي، مشيراً إلى أن المستثمر الأجنبي لن يأتي لمصر إلا حينما يرى أوضاع المستثمر المحلي مأمنة بالكامل، لأنه بمثابة مرآة للوضع الاقتصادي الداخلي، موضحاً أن المستثمر المحلي بدأ في الخروج للدول المجاورة هروباً من السياسات الحالية.
المساندة التصديرية
كذلك الاقتصاد المصري بحاجة لمزيد من السياسات التشجيعية للتصدير والحد من الاستيراد، وإعطاء مميزات للمصدرين، بالفعل كما رأينا في البرنامج الجديد لدعم الصادرات والذي يعتبر أكثر تحفيزًا للقطاعات الإنتاجية والتصديرية، حيث تم تخصيص 28.1 مليار جنيه بالموازنة الجديدة لدعم الشركات المصدرة، مع اعتزام الحكومة اعتبارًا من العام المالي المقبل، صرف «المساندة التصديرية» فى نفس عام التصدير.
كما أضاف أن دول الجوار وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية، بدأوا في جذب الصناعات والاستثمرات الأجنبية التي تحقق عوائد دولارية تقدر بالمليارات، ومصر بكل أسف ليست سابته كما هي وإنما تأخرت عما كانت عليه وأصبحت طاردة للاستثمار المحلي قبل الأجنبي، ولابد من التغلب على عوائق الاستثمار عن طريق تهذيب وتعديل القوانين القائمة، وذلك على عدة مراحل، أولها دراسة كل القوانين التشريعية الحالية وفض التشابك والتعارض بين القوانين والقرارات، ثم تحديث القوانين الحالية وإصدار قوانين جديدة لتذليل العقبات أمام استقطاب المستثمرين وتمهيد الطريق للاستثمارات الأجنبية، وأخيراً النظر لتجارب الدول التي نجحت في استقطاب الاستثمارات وتطبيق استراتيجياتهم مثل سنغافورة وماليزيا والسعودية والمغرب.
وقال إن وجود وزارة للاستثمار أجدى من المجلس الأعلى للاستثمار، مع الأخذ بالاعتبار أن الهيئة العامة للاستثمار تثبت فشلها يوماً بعد يوم، وهذا من وجهة نظري، بالإضافة لفضل المجالس المتكررة التي تعد هياكل فارغة تستنفذ مرتبات من ميزانية الدولة، ولابد من إعادة وزارة الإستثمار تخضع لمراقبة مجلس النواب.
لا زيادة جديدة مرتقبة في أسعار الفائدة
وأشار إلى أنه لا يعتقد أن تكون هناك زيادة جديدة مرتقبة في أسعار الفائدة، وذلك استناداً لتصريحات حسن عبد الله محافظ البنك المركزي خلال اجتماعاته مع صندوق النقد والبنك الدوليين والتي عقدت في وقت سابق في العاصمة الأمريكية واشنطن، بأن ارتفاع أسعار الفائدة لا يمكن أن يفعل شيئاً يذكر لاحتواء التضخم، مؤكداً بأن المركزي المصري لن يتردد في فعل المزيد لكننا بحاجة إلى توخّي الحذر الشديد"، موضحاً أن سعر الفائدة ليس الأداة الوحيدة التي تملكها مصر لمواجهة التضخم.
وحول المراهنة على قوة الدولار بل بقائه رغم الحرب الشرسة التي يخوضها الان، أوضح «أبو الفتوح» أن الدولار الأمريكي ما زال متربعاً على عرش العملات الرئيسية في العالم منذ عقود كثيرة، وله كامل الهيمنة المطلقة على اقتصاديات العالم.
قوة الدولار
وأرجع قوة الدولار إلى عدة أسباب منها قوة الاقتصاد الأمريكي الذي يتمتع بصلابته وسط هذه الأزمات، والذي يعتبر أكبر وأقوى اقتصاد عالمي من حيث الناتج المحلي الإجمالي الذي تخطى حاجز الــ 22 تريليون دولار عام 2022، غير أن أغلب الدول تجد صعوبة في التبادل التجاري بغير الدولار، بالإضافة إلى أن الدولار ما زال يشكل المكون الأكبر من الاحتياطي النقدي الأجنبي للكثير من دول العالم، مع تراجعه من نسبة 73% في 2001 إلى 47% عام 2022، وبالتالي لابد من تواجد عملة قوية تضاهي قوة العملة الامريكية لمنافستها على قمة العملات العالمية.
ومستقبل الدولار عالمياً وفقاً لتحليلات بعض الاقتصاديين الأمريكيين، فهو في طريقه للانهيار فعل التوترات والصراعات الجيوسياسية، بالإضافة لتأثير التحالفات الجديدة التي تهدف لضرب وإضعاف قوة الدولار دولياً، والعمل على توفير عملة بديلة له، إلا أن عملية استبداله بعملة أخرى قد تستغرق أكثر من 10 سنوات، ولك لما تحتاجة من خطوات كبيرة أقلها تغيير البنية التحتية لأنظمة الدفع العالمية، أما عن مستقبل الدولار بالنسبة لمصر فما زالنا مرتبطين بالدولار لأنه العملة الرسمية للتجارة العالمية، وللتعاملات التمويلية الدولية.