2021.. بداية تعافي الاقتصاد العالمي وترقب خلال 2022


الاحد 16 يناير 2022 | 02:00 صباحاً
هايدى فرنسيس

محافظو  البنوك المركزية:  ارتفاع الأسعار مسألة «وقت»

مطالب بـ«فرض ضريبة كربون موحدة» لمواجهة التغيرات المناخية

المركزي الأمريكي يعمل على تسريع رفع أسعار الفائدة  في 2022 

صندوق النقد الدولي يتوقع نموا عالميا بنسبة 4,9% العام المقبل

لا يزال التعافي الاقتصادي العالمي مستمر في خضم موجة جديدة من عدوى الجائحة تفرض تحديات فريدة على صعيد السياسات، واتسعت الفجوات المتعلقة بحالة التعافي بين مجموعات الاقتصادات المختلفة، كما هو الحال بين الاقتصادات المتقدمة والبلدان النامية منخفضة الدخل. 

وفي الوقت ذاته، زاد التضخم بدرجة ملحوظة في الولايات المتحدة وبعض اقتصادات الأسواق الصاعدة، وفي ظل إرخاء القيود التي صاحبت الجائحة، تسارعت معدلات الطلب، ولكن استجابة العرض كانت أبطأ، ورغم توقع انحسار الضغوط السعرية في معظم البلدان في عام 2022، فإن آفاق التضخم يخيم عليها قدر كبير من عدم اليقين. 

ويشهد التضخم هذه الارتفاعات بينما يظل توظيف العمالة دون مستويات ما قبل الجائحة في كثير من الاقتصادات، مما يفرض خيارات صعبة على صناع السياسات. وثمة حاجة لبذل جهود قوية متعددة الأطراف لإرساء السياسات الملائمة فيما يخص نشر اللقاحات وتغير المناخ والسيولة الدولية، بغية تعزيز آفاق الاقتصاد العالمي. وحتى تكون السياسات الوطنية عنصرا مكملا للجهود متعددة الأطراف، يتعين بذل جهد أكبر بكثير لتطويعها حسبما يتلاءم مع ظروف كل بلد على حدة ويحقق دقة أكبر في الاستهداف، في ظل زيادة انكماش الحيز المتاح للتصرف أمام السياسات كلما طال أمد الجائحة.

ويظل التباعد الخطير في الآفاق الاقتصادية بين البلدان مصدرا رئيسيا للقلق. فالتوقعات تشير إلى أن الناتج الكلي لمجموعة الاقتصادات المتقدمة سيعود في عام 2022 إلى مساره الاتجاهي السابق على الجائحة ويتجاوزه بنسبة 0,9% في 2024. وعلى العكس من ذلك، تشير التوقعات إلى أن الناتج الكلي لمجموعة اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية (ما عدا الصين) في عام 2024 سيظل أقل من تنبؤات ما قبل الجائحة بنسبة 5,5%، مما يسفر عن انتكاسة أكبر في جهود تحسين مستوياتها المعيشية.

وترجع هذه المسارات المتباعدة إلى «فجوة اللقاحات الكبيرة» والتفاوتات الواسعة في الدعم المقدم من السياسات. فبينما حصل حوالي 60% من سكان الاقتصادات المتقدمة على جرعات اللقاح الكاملة وبعضهم الآن بصدد الحصول على جرعات مُعَزِّزة، لا يزال حوالي 96% من سكان البلدان منخفضة الدخل دون تطعيم. وبالإضافة إلى ذلك، فإزاء تشديد أوضاع التمويل وزيادة مخاطر انفلات توقعات التضخم عن ركيزتها المستهدفة، تعمل الاقتصادات الصاعدة والنامية على التعجيل بسحب الدعم المقدم من السياسات رغم زيادة القصور في الناتج.

وتفرض انقطاعات الإمداد تحديا آخر أمام السياسات. فمن ناحية، أسفرت موجات تفشي الجائحة واضطرابات الأحوال الجوية عن نقص مدخلات الإنتاج الأساسية وتخفيض نشاط الصناعات التحويلية في عدة بلدان. ومن ناحية أخرى، فإن هذا النقص في الإمدادات، إلى جانب إطلاق الطلب المكبوح وانتعاش أسعار السلع الأولية، تسببت كلها في ارتفاع تضخم أسعار المستهلكين بسرعة وذلك، على سبيل المثال، في الولايات المتحدة وألمانيا وكثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. وكانت زيادة أسعار الأغذية هي أكبر الزيادات السعرية في البلدان منخفضة الدخل حيث مستويات انعدام الأمن الغذائي الأكثر حدة على الإطلاق، مما ألقى مزيدا من الأعباء على كاهل الأسر الأفقر وزاد من مخاطر القلاقل الاجتماعية.

ويلقي عدد أكتوبر 2021 من تقرير الاستقرار المالي العالمي الضوء على تحد آخر أمام السياسة النقدية يتمثل في زيادة المخاطرة في الأسواق المالية وتزايد أوجه الهشاشة في قطاع المؤسسات المالية غير المصرفية.

ويتمثل أحد العوامل المشتركة الرئيسية وراء هذه التحديات المعقدة في أن المجتمع العالمي لا يزال واقعا في قبضة الجائحة. ومن ثم، فإن ما يأتي على رأس أولويات السياسات هو تطعيم نسبة لا تقل عن 40% من سكان كل بلد بنهاية عام 2021 و70% بحلول منتصف 2022. وسيقتضي هذا من البلدان مرتفعة الدخل أن تفي بتعهداتها الحالية وتتبرع باللقاحات، وتنسِّق مع المصنعين لإعطاء أولوية لتوصيل اللقاحات إلى آلية "كوفاكس" على المدى القصير، ورفع القيود التجارية التي تعوق تدفق اللقاحات والمواد الداخلة في تصنيعها. وفي الوقت نفسه، سيؤدي سد الفجوة المتبقية في المنح والبالغة 20 مليار دولار لتمويل اختبارات الكشف عن الإصابة والعلاجات والترصد الجينومي إلى إنقاذ الأرواح الآن وضمان أن تظل اللقاحات ملائمة للغرض منها. وبالنظر إلى المستقبل، ينبغي لمصنعي اللقاحات والبلدان مرتفعة الدخل أن يدعما التوسع في إنتاج لقاحات كوفيد-19 على المستوى الإقليمي في البلدان النامية من خلال التمويل ونقل التكنولوجيا.

"فجوة اللقاح الكبيرة" 

وهناك أولوية ملحة أخرى على المستوى العالمي تتمثل في ضرورة إبطاء معدل الارتفاع في درجات الحرارة العالمية لاحتواء الآثار السلبية المتزايدة لتغير المناخ. ويتطلب ذلك تقديم تعهدات أكثر طموحا لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أمام مؤتمر الأمم المتحدة القادم بشأن تغير المناخ (COP26). ويمكن المساعدة على دفع التحول في مجال الطاقة بطريقة عادلة من خلال وضع استراتيجية للسياسات تشمل حدا أدنى دوليا لسعر الكربون وتعديله حسب ظروف كل بلد، وإعطاء دفعة لدعم الاستثمارات العامة والبحوث الخضراء، فضلا على التحويلات التعويضية الموجهة للأسر. وبنفس القدر من الأهمية، يتعين على البلدان المتقدمة الوفاء بالوعود التي قطعتها مسبقا بتعبئة 100 مليار دولار سنويا لتمويل إجراءات مواجهة تغير المناخ في البلدان النامية.

وبالإضافة إلى ذلك، يمكن المساعدة على رأب هذا التباعد بين البلدان من خلال تضافر الجهود متعددة الأطراف لضمان توفير سيولة دولية كافية للاقتصادات المكبلة بالقيود المالية، والتعجيل بتنفيذ الإطار المشترك لمجموعة العشرين المعني بإعادة هيكلة الديون التي يتعذر الاستمرار في تحملها. وبالبناء على التوزيع التاريخي لمخصصات من حقوق السحب الخاصة بقيمة 650 مليار دولار، يدعو صندوق النقد الدولي البلدان ذات المراكز الخارجية القوية إلى توجيه مخصصاتها من حقوق السحب الخاصة نحو الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر على أساس طوعي. كذلك يبحث الصندوق حاليا تأسيس صندوق استئماني للصلابة والاستدامة يمكنه تقديم تمويل طويل الأجل لدعم استثمار البلدان في النمو المستدام.

وعلى المستوى الوطني، ينبغي معايرة مزيج السياسات الكلي تبعا لظروف الجائحة في كل بلد وأوضاعه الاقتصادية المحلية، بهدف توفير الحد الأقصى الممكن من فرص العمل المستدامة مع حماية مصداقية أطر السياسات. ومع زيادة ضيق الحيز المالي في كثير من الاقتصادات، ينبغي أن يظل الإنفاق على الرعاية الصحية على رأس الأولويات، بينما يتعين تحري مزيد من الدقة في توجيه الإمدادات الحيوية والتحويلات، وتعزيزها من خلال إعادة التدريب ودعم عمليات إعادة التوزيع. وفي ظل تحسن النتائج الصحية، يمكن أن ينصب تركيز السياسات بشكل متزايد على الأهداف الهيكلية طويلة المدى.

وفي ظل ارتفاع الدين العام إلى مستويات قياسية، ينبغي أن تكون كل المبادرات مرتكزة على أطر متوسطة الأجل تحظى بالمصداقية، وتدعمها تدابير قابلة للتنفيذ على صعيد الإيرادات والنفقات. ويبرهن عدد أكتوبر 2021 من تقرير الراصد المالي على أن هذه المصداقية يمكن أن تقلل تكاليف التمويل التي تتحملها البلدان وأن توسع الحيز المالي على المدى القصير.

وسيتعين على السياسة النقدية أن تحقق توازنا دقيقا بين معالجة التضخم والمخاطر المالية ودعم التعافي الاقتصادي. ففي سياق يحفه عدم اليقين المرتفع، ترجِّح توقعاتنا عودة التضخم الكلي بحلول منتصف عام 2022 إلى مستويات ما قبل الجائحة في مجموعة الاقتصادات المتقدمة والاقتصادات الصاعدة والنامية. غير أن هناك قدرا كبيرا من عدم التجانس بين البلدان، مع احتمالات تجاوز النتائج المتوقعة في بعضها، كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبعض اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. وبينما يمكن للسياسة النقدية عموما أن تغض الطرف عن الزيادات المؤقتة في معدلات التضخم، ينبغي أن تكون البنوك المركزية مستعدة لاتخاذ إجراء سريع إذا أصبحت مخاطر تصاعد التوقعات التضخمية أقرب إلى الواقع الملموس في هذا الدرب غير المطروق نحو التعافي. وينبغي للبنوك المركزية أن تضع إجراءات للطوارئ، وتعلن محدِّدات واضحة لتطبيقها، وتعمل وفقا لما أعلنته بشأنها.

وبوجه أعم، يمكن أن يؤدي الوضوح والإجراءات المنسقة إلى إنجاز الكثير في اتجاه تجنب التطورات غير المواتية على مستوى السياسات والتي تفضي بدورها إلى اضطراب الأسواق المالية وحدوث انتكاسة في التعافي العالمي – وهي تتراوح بين عدم رفع الحد الأقصى للدين في الوقت المناسب في الولايات المتحدة، وإعادة هيكلة الدين على نحو غير منظم في قطاع العقارات في الصين، وتصعيد التوترات التجارية والتكنولوجية عبر الحدود.

وقد أوضحت التطورات الأخيرة بجلاء أننا جميعا في قارب واحد وأن الجائحة لن تنتهي في أي مكان حتى تنتهي في كل مكان. فإذا قُدِّر لتأثير كوفيد-19 أن يمتد إلى الأجل المتوسط، فمن شأنه أن يخفض إجمالي الناتج المحلي العالمي بمقدار تراكمي قدره 5,3 تريليون دولار على مدار الخمس سنوات القادمة مقارنةً بتوقعاتنا الحالية. ولا يجب بالضرورة أن يسير الأمر على هذا النحو. فالمجتمع العالمي عليه أن يكثف جهوده لضمان حصول كل بلد على اللقاحات على أساس عادل، والتغلب على التردد في أخذ اللقاح عند توافر قدر كافٍ من الإمدادات، وضمان تحقيق آفاق اقتصادية أفضل للجميع

التضخم والنقص في السلع 

كتب محللو "غولدمان ساكس" في توقعاتهم لعام 2022: "كانت المفاجأة الأكبر في عام 2021 هي ارتفاع التضخم. وكان الدافع وراء ذلك هو الفوضى التي عمت سلاسل التوزيع ونقص المنتجات الأساسية للتجارة الدولية مثل أشباه الموصلات".

ويُعزى ذلك إلى الزيادة الكبيرة في الطلب أثناء الأزمة وبعدها، ولكن أيضاً بسبب النقص في صغار العاملين في قطاع  التجارة العالمية من العمال الذين يفرغون البضائع في الموانئ، وسائقي الشاحنات والعاملين في المتاجر الكبرى الذين لم يعودوا إلى مواقع عملهم بعد رفع الحجر الصحي.

ويقف وراء التضخم ارتفاع أسعار المواد الخام  مثل: الخشب والنحاس والصلب، والطاقة  مثل: البنزين والغاز والكهرباء. 

وفيما اعتبر محافظو  البنوك المركزية ارتفاع الأسعار مسألة "مؤقتة" فقد أثارت القلق على أعلى المستويات. واعترف به البنك المركزي الأميركي أخيراً على أنه "ليس عارضاً معلناً، وأنه سيعمل على تسريع رفع أسعار الفائدة عام 2022 على الرغم من خطر تباطؤ النمو".

وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة أمستردام "لفرانس برس" رويل بيتسما،  إن "السؤال هو معرفة إن كنا خرجنا بالفعل من الأزمة". 

ويؤكد عدد كبير من الشركات مواجهة صعوبات أمام نقص السلع والمواد والتضخم. لكن في الوقت الحالي، ما زال صندوق النقد الدولي يتوقع نمواً عالمياً بنسبة 4,9% العام المقبل. 

الغداء بات مهدداً

تلبية احتياجات الأسر وتجنب نهاية العالم، صار من الصعب إيجاد توازن كما اتضح من الاستنتاجات المتباينة لمؤتمر الأطراف "كوب26" الذي عُقد في نوفمبر. 

ويدعو الاتفاق الذي تم التوصل إليه، الدول إلى زيادة التزاماتها لخفض انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة اعتباراً من عام 2022، لكنه لا يضع العالم على مسار متسق اللحد من ظاهرة الاحتباس الحراري بمقدار "أقل بكثير من" درجتين مئويتين كما هو مذكور في اتفاقية باريس عام 2015. 

قال رويل بيتسما بأسف إن "التفكير قصير المدى هو ظاهرة معتادة، خاصة لدى السياسيين"، مطالباً بـ"فرض ضريبة كربون موحدة في جميع القطاعات ورادعة بما فيه الكفاية"، وهو أمر بعيد كل البعد عما هي عليه الحال اليوم.

فتغير المناخ والكوارث الطبيعية المرتبطة به يمكن أن تؤثر أيضاً على أسعار الأغذية، عدا عن أن أضرارها قُدرت بنحو 250 مليار دولار من قبل شركة إعادة التأمين السويسرية سويس ريه.

ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة فإن الأسعار العالمية تقترب من مستوياتها القياسية التي بلغتها عام 2011، فقد ارتفع القمح بنسبة 40% تقريباً خلال عام واحد ومنتجات الألبان بنسبة 15%، وتجاوزت الزيوت النباتية المستويات القياسية.

وقالت نبيهة عابد، المقيمة في تونس العاصمة، لوكالة "فرانس برس"، إنه  "واضح أن أسعار كل شيء قد ارتفعت"، مشيرة إلى أسعار اللحوم والدجاج التي تضاعفت مرتين في بعض الأحيان، مضيفةً أن "الشكشوكة وهي طبق تقليدي قوامه الفلفل والبصل والبيض وزيت الزيتون، صارت رفاهية في حين كانت وصفة للناس الذين لا يملكون المال".

وعلق خبير القمح في شركة أرجيتيل الفرنسية الاستشارية سيباستيان بونسيليه، أنه "بين القمح والخبز، هناك خطوة واحدة فقط. إنه الغذاء الأساسي لقسم من البشرية وقد بات مهدداً.