قدسية وجبال ثلجية.. «هنا كلم الله موسى ».. مصر على موعد جديد لإبهار العالم


الاحد 05 ديسمبر 2021 | 02:00 صباحاً
هايدى فرنسيس

◄ «سانت كاترين» تتزين للإحتفال بـ«التجلى الأعظم» 7 ديسمبر

◄ المشروع يهدف إلى تحويلها لمدينة السياحة الدينية بالعالم

◄ أعمال التطوير تراعي عدم المساس بموقع الوادى المقدس

◄ إقامة 16 مشروعًا سياحيًا متنوعًا وفق مخطط يتناسب مع طبيعة الموقع الجغرافي

◄ تطوير مكتبة دير سانت كاترين وتضم 4500 مخطوط

◄ تغيير نظام الإضاءة وفق أحدث المعايير

تمضي القيادة السياسية المصرية، بخطى ثابته نحو تحقيق التنمية على كافة المستويات، فمنذ اللحظات الأولى لثورة 30 يونيو، التي تعتبر شهادة ميلاد الجمهورية الجديدة، نجحت الدولة في أن تضع «أم الدنيا» على خارطة الاستثمار العالمية.

وكان لقطاع السياحة والآثار نصيب كبير من خطة التطوير التي تتبناها الدولة، لتعيد شمسها لتشرق من جديد، خاصة انها تمتلك من الحضارة والتاريخ ما يضعها في المقدمة دائما، وبفضل توجيهات القيادة السياسية، والتطوير المستمر للمواقع الأثرية والسياحية، استطاعت مصر أن تخطف أنظار العالم، بداية من موكبة المومياوات، مرورا بالمتحف المصري الكبير.. تطوير الأهرامات.. المتحف القومي للحضارة.. وعشرات الإنجازات، التي كان أخرها طريق الكباش الذي بات حديث العالم، بتطوير وإعادة الطريق لما كان عليه قبل 3200 عاما، بعد أن عاني من الإهمال على مدار قرون من الزمن.

وقبل أن تنتهي احتفالية طريق الكباش، تم الإعلان عن «احتفالية التجلي الأعظم»، يوم 7 ديسمبر الجاري، بسانت كاترين، قلب سيناء النابض، ومركز أرض الفيروز مهد الأديان، وملتقى الحضارات، وتحدث من أعلى جبالها الله إلى موسى، لم تقتصر أهميتها على الشق الديني فقط، ولكن سياحيًا، تعتبر جنة الله على الأرض، بجبالها ومعالمها الخلابة.

بذلت وزارتي السياحة والأثار والثقافة، بالتعاون مع الإسكان وعددًا من الجهات، جهودًا جبارة، على مدار عامين لتطوير منطقة سانت كاترين بإجمالى 2 كيلو متر، من خلال إقامة 16 مشروعًا سياحيًا متنوعًا، وفق المخطط الذى تم اعتماده بما يتناسب مع طبيعة الموقع الجغرافي.

ويأتي على رأس التطوير إقامة مدينة سانت كاترين الجديدة لتعظيم الاستفادة من المقومات السياحية لهذه المدينة، صاحبة الطابع الأثري والديني والبيئي للتماشي مع اتجاهات التنمية المستدامة، مع الأخذ في الاعتبار مراعاة أعمال التطوير بعدم المساس بموقع الوادى المقدس، والجزء الرئيسى من المحمية الطبيعية والتأكيد على عدم إقامة أى مبان بهذه المواقع، حفاظا على قدسيتها وأثريتها.

ووضعت الدولة اللمسات النهائية لتطوير مكتبة دير سانت كاترين، والتي تعد الثانية على مستوى العالم بعد مكتبة الفاتيكان، وتضم 4500 مخطوط، فضلا عن ترميم بعض الكنائس داخل الدير مثل كنيسة إسطفانوس ويوحنا ووضع نظام إطفاء تلقائى وتحذير ضد الحريق شامل، لمواجهة أي أخطار محتملة، والسيطرة عليها فور وقوعها.

وحفاظًا على المشهد الجمالي، الذي يعيد القدسية والتراثية إلى المكان، وضعت الدولة نظام إضاءة وفق أحدث المعايير التي تتناسب مع الجودة والشكل الجمالي، وأزالت الأعمدة الكهربائية من باب السلسلة حتى مدخل الدير وإنشاء بوابة أمن للحقائب والأفراد وغرفة مراقبة أمنية وكاميرات مراقبة بكافة أنحاء الدير.

وتضم المنطقة مقاصد سياحية، هي الأهم على مستوى العالم، وعلى رأسها دير سانت كاترين المسجل ضمن قائمة التراث العالمي، ويقع على شبه جزيرة سيناء، عند مصب الوادي بسفح جبل سيناء، بالقرب من مدينة سانت كاترين، قسم شرم الشيخ وهو «دير مقدس» لجبال «تروددن»، وجبل سيناء المعروف بـ«جبل موسى» وهو جبل في شبه جزيرة سيناء وهو موقع محتمل لجبل سيناء التوراتية، والذي يعتبر موقع مقدس من قبل الأديان الإبراهيمية.

وحرصت الدولة على تطوير جبل كاترين هو أعلى جبل في مصر، والذي يقع بالقرب من مدينة سانت كاترين في محافظة جنوب سيناء، ويعد مقصدًا سياحيا هامًا لهواة التسلق والحياة البرية، وتأمين الصعود إلى جبل موسى وتزويده بالخدمات السياحية المناسبة لطبيعة وجلال هذا الجبل المقدس وإنشاء مركز معلومات لخدمة زوار المنطقة من كل الجنسيات.

وتعتبر سانت كاترين أكبر محمية طبيعية في مصر حيث أنها واحدة من مدن سيناء المميزة التي تقع على أعلى هضبة، ومحاطة بمجموعة من أعلى الجبال في مثل جبل كاترين وجبل الصفصافة وجبل موسى.

ويتضمن تطوير المنطقة التى تشمل الدير وجبل موسى ووادى الدير ومسار نبى الله موسى من وادى الراحة إلى شجرة العليقة المقدسة ومسار نبى الله موسى من طور سيناء إلى جبل الشريعة عبر وادى حبران ، والتأمين ضد مخاطر السيول وتطوير البنية التحتية للمنطقة مع إقامة منشآت فندقية بيئية.

وسعت الحكومة إلى توفير وخلق نشاط تجاري بالمنطقة، حيث أولت اهتماما بإقامة بازارات متطورة ومحال راقية لعرض المنتجات السيناوية، فضلا عن مساكن وفق الطراز السياحى الملائم لطبيعة المنطقة وساحات عامة كمتاحف مفتوحة للاحتفالات والمهرجانات وتحسين الطرق وتشغيل مطار سانت كاترين صباحًا ومساءً. 

المشروعات الجارى تنفيذها تتضمن  أيضًا إقامة فنادق تحاكى طبيعة المكان وتتناسب مع التراث البيئى للمنطقة، بجانب تطوير المشروعات القائمة، كما يتضمن المخطط الخاص بعمليات التنفيذ الاعتماد على الانترلوك والأحجار الجبلية فى رصف الطرق، مع إزالة الطبقة الأسفلتية الموجودة به، وهذا بما يتناسب مع طبيعة المكان.

المشروع الجارى تطويره ضمن خطة الدولة لتطوير مسار العائلة المقدسة، حيث تقام تلك المشروعات الحالية على مساحة 2 كيلو متر، وتبعد عن دير سانت كاترين نحو 750 مترًا، ويتم استخدام الواجهات الحجرية فى الفنادق التى سيتم تنفيذها، وهذا بارتفاعات محددة تتراوح بين دورين إلى 10 أمتار على أقصى تقدير.

ويبدأ موقع المشروعات من وادى الأربعين وحتى وادى الإسباعية، واستمر العمل به لمدة 18 شهرًا، ومن المقرر أن يتم الانتهاء من عمليات التنفيذ بالكامل ديسمبر 2022، ومن المقرر أنه سيتم طرح بعض الفرص الاستثمارية على القطاع الخاص فور الانتهاء من المرحلة الحالية، كما تتولى الشركات الحكومية تشغيل وإدارة تلك المنطقة نظرًا لتاريخها الدينى المرتبط بمسار العائلة المقدسة، خاصة أنه سيتم تحويلها إلى مزاز عالمى.  

ويقع الجزء الجارى تطويره بين تلال جبلية، يضم مركزًا للزوار، بجوار الفندق الجلبى امتدادًا لفندق وادى الراحة، وأيضًا منطقة تجارية خدمية تضم ناديًا اجتماعيًا وسوقًا تراثيًا، فضلًا عن تطوير مجموعة من الشاليهات القائمة وإقامة مجموعة جديدة، كما تم تحويل مطار سانت كاترين إلى مطار دولى.  

وفيما يتعلق بمدينة سانت كاترين فهى أكثر مدن سيناء خصوصية وتميزًا، فهى أعلى الأماكن المأهولة فى سيناء حيث تقع على هضبة ترتفع 1600 متر فوق سطح البحر فى قلب جنوب سيناء على بعد 300 كم من قناة السويس، وتبلغ مساحتها 5130 كيلو مترًا، وتحيط بها مجموعة جبال هى الأعلى فى سيناء وفى مصر، وأعلاها قمة جبل كاترين، وجبل موسى وجبل الصفصافة. 

الارتفاع جعلها تتحلى بمناخ متميز معتدل فى الصيف شديد البرودة فى الشتاء، مما يعطى لها جمالًا خاصًا عندما تكسو الثلوج قمم الجبال وأرض المدينة، مما جعل ىالحكومة المصرية تعلن عن أن تلك المنطقة محمية طبيعية لما لها من أهمية طبيعية وتاريخية ودينية.

وأعلن الدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، بدء الإجراءات التنفيذية لـ14 مشروعًا لتطوير موقع «التجلي الأعظم» بمدينة سانت كاترين، مؤكدًا أن مشروعات التطوير سوف تحسن البيئة العمرانية بالمدينة، وترفع من مستواها، وتوفر العديد من الفرص الاستثمارية، وفرص العمل المختلفة.

وقال وزير الإسكان، إن الوزارة تتولى تنفيذ مشروع تطوير موقع «التجلي الأعظم» بسانت كاترين، من خلال الجهاز المركزي للتعمير، وبتمويل من هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وذلك فى إطار تنفيذ تكليفات الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية، بتطوير مدينة سانت كاترين، التي تتمتع بقيمة تاريخية وروحانية كبيرة جدًا، وتعد ملتقى للديانات السماوية الثلاث.

وأضاف الوزير أن مشروع تطوير موقع «التجلي الأعظم» بسانت كاترين، يهدف إلى إنشاء مزار روحاني على الجبال المحيطة بالوادي المقدس، وذلك في ضوء المكانة العظيمة التى تتمتع بها مدينة سانت كاترين، حيث تجلى الله سبحانه وتعالى، وهي منطقة فريدة من نوعها على مستوى العالم، وتمثل مقصدًا للسياحة الروحانية والجبلية والاستشفائية، لجميع سكان العالم.

ويوافق موعد الاحتفالية عيد استشهاد سانت كاترين والذي يحل 8 ديسمبر من كل عام، على أن يكون احتفالا غير مسبوقا لمدة ثلاثة أيام من 7 إلى 9 ديسمبر باعتباره احتفالًا لتلاقى الأديان والحضارات على أرض التجلى الأعظم واحتفالًا بهذا المشروع العظيم الذى انطلق بتوجيهات القيادة السياسية.

سانت كاترين هي قديسة مصرية وليست يونانية، إبنة كوستاس من عائلة نبيلة بالإسكندرية عاشت بعروس البحر المتوسط خلال حقبة حكم الإمبراطور الرومانى مكسيمانوس 305- 311 ميلادية، واعتنقت المسيحية فى زمن الوثنية، ومن أجل أن ينتزعها الإمبراطور من المسيحية أصدر أوامره إلى خمسين حكيمًا من حكماء عصره أن يناقشوها ويجادلوها فى سبيل دحض براهينها عن المسيحية إلا أن جميع محاولاتهم باءت بالفشل وجاءت النتائج عكسية، حتى أصدر أمره بقطع رأسها لتستشهد عام 307م الموافق 29 هاتور من الشهور القبطية ويحتفل به الدير يوم 8 ديسمبر من كل عام .

وشهد علماء الحملة الفرنسية مظاهر هذا الاحتفال وأن الجثمان كان فى صندوق له نافذة من الرخام وفى يوم عيد سانت كاترين تعرض الرأس واليد اليمنى أمام النافذة وتنال تقديس الناس، ولقد رأى علماء الحملة الفرنسية أحد مراسم هذا الإحتفال  فلقد زينت الكنيسة كما فى أيام الأعياد الكبرى وأضيئت كافة الشموع والمصابيح وسار رئيس الدير والرهبان إلى الكنيسة حتى بلغوا الشرقية ليقبلوا جبهة القديسة والخاتم بيد القديسة.

وقد أخبر الرهبان علماء الحملة الفرنسية أن رفات سانت كاترين الباقية تشمل الرأس ويد واحدة  وأن علماء الحملة الفرنسية صعدوا إلى جبل سانت كاترين الذى يرتفع 2642م فوق مستوى سطح البحر وصحبهم أحد رهبان الدير وشاهدوا هناك صخرة من الجرانيت هى موضع تقديس من جانب المسيحيين  ولقد شرح لهم الرهبان قصة هذا التقديس  حيث وجدوا على هذه الصخرة رفات لفتاة فأخبروا أحد الرهبان بالأمر وذهب الجميع للتعرف على الجثمان وأقروا بأنه جثمان لشهيدة وأنه لا بد أن يكون جثمان القديسة كاترين ثم نقل الرهبان ما تبقى من الجثمان لكنيسة التجلى بالدير ووضعت بقايا القديسة فى صندوق ذهبى بمذبح الكنيسة.

وأن هؤلاء الحكماء الوثنيون آمنوا بالمسيحية وحذا كثيرون حذوهم وكان من بينهم أقرب المقربين للإمبراطور من رجال البلاط ، فلجأ مكسيمانوس لتعذيبها وأمر أن تصنع عجلات يبرز منها مسامير ورؤوس سكاكين مدببة ليضعونها فيها ولم يؤثر هذا على إيمانها ،مما دفع أحد الجنود لقطع رأسها وبعد مضى قرون على استشهادها رأى أحد رهبان سيناء رؤيا بأن الملائكة حملوا بقايا جسدها ووضعوها فوق قمة جبل قرب الدير فصعد الرهبان للجبل فوجدوا الرفات فدفنوها فى أعلى ذلك الجبل وأطلق على الجبل اسم جبل سانت كاترين ،وهو أعلى جبل فى مصر وأطلق على الدير دير سانت كاترين، وكان يسمى بدير طور سيناء منذ إنشاؤه فى القرن السادس الميلادى.

وذاعت شهرة سانت كاترين فى جميع أنحاء أوروبا خاصة بعد أن حمل سمعان المترجم الذى يتحدث خمس لغات رفات القديسة إلى منطقة الرون وترينس بفرنسا وكتب فى القرن العاشر الميلادى كتابه (استشهاد القديسة كاترينا المنتصرة شهيدة المسيح المعظمة.

وانتشر تكريم سانت كاترين ورسمت صورها فى الشرق والغرب بتصوير عجلة التعذيب وما يزال بالدير حتى اليوم الكثير من صور القديسة يحيط بها مشاهد تمثل بعض أطوار حياتها واستشهادها ،وهناك تابوت تحت قبة المظلة التى تقع على يمين مذبح كنيسة التجلى يحوى صندوقين من الفضة أحدهما يضم جمجمة سانت كاترين يحوطها تاج ذهبى مرصع بالجواهر، والآخر يضم كف يدها اليسرى وتزينها الخواتم الذهبية المرصعة بالأحجار الكريمة علاوة على تابوتان من الفضة رسم على غطاء كلًا منهما صورة سانت كاترين مصنوعة من الذهب الخالص المرصع بالأحجار الكريمة، التابوت الأول إهداء من قيصر روسيا بطرس الأكبر عام 1688م، والثانى إهداء من إسكندر الثانى 1860م وبعد العصر البيزنطى وحتى القرن العشرين أصبح لدير سيناء مقار سينائية متعددة تأسست فى جميع أنحاء العالم وأعطوها اسم سانت كاترين منها المقر السينائى الهام فى مدينة هراقليون بكريت.