«هل أصبحنا على موعد مع الإعتام التام؟».. أوروبا متعطشة للطاقة وجرس إنذار بشأن القادم


الثلاثاء 19 أكتوبر 2021 | 02:00 صباحاً
ميسون أبو الحسن

مخاوف من تحول أزمة الطاقة حول العالم إلى «مزمنة»

محطات البترول في أوروبا تغلق أبوابها أمام المواطنين

الطاقة تضع العالم أمام كارثة كبرى خلال الشتاء القادم

وقعَت أوروبا في أزمة للطاقة، ربما تُعتبر جرس إنذار عاجل لدول العالم، من كوارث قد يسببها التغير المناخي في فترات قليلة، قد يجعلها في وقت «أزمة مزمنة»، وتصبح الدول غير قادرة على حلها، وتكون بمثابة نذير سوء بشأن أنواع الصدمات التي يمكن أن تضرب المزيد من أنحاء العالم، فضلًا عن التوترات السياسية التي تسببها.

تأتي هذه الأزمة وسط مخاوف من انقطاع الخدمات، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، ونقص الإمدادات، في دول هي الأكبر والأغنى بالعالم، وأغلقت بعض محطات الوقود أبوابها أمام المواطنين، وعانت من عطش البنزين والفحم.

وتتسائل الدول الآن «هل أصبح العالم على مشارف إعتام تام؟»، تجعل أزمة الطاقة، دول العالم المختلفة، تواجه مرآة أخطائها؛ وذلك نتيجة الاعتماد الرئيسي على المحروقات فقط في إنتاج الطاقة، وسط نداءات غير مسموعة، تطالب باستبدال مصادر الطاقة، ورغم تزايد وفرة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ورخص ثمنهما، ستظل الكثير من دول العالم، تعتمد على الغاز الطبيعي وأنواع الوقود الأحفوري، كاحتياطيات لعقود طويلة، تجعل الأمر مرعبًا.

أدرك العالم الآن، أن أزمة فيروس كورونا لم تكن الأكبر؛ وكانت أيضًا السبب في تصدير كارثة ضخمة، خاصة بعد بدء تعافي الدول الكُبرى، وعدم القدرة على تعذية الدول في فترة «التعافي ما بعد الجائحة».

ما هي أسباب الأزمة؟

يغرق العالم الآن، وخاصة أوروبا، في هذه الأزمة، جرّاء التغيرات المناخية، التي تسببت في انخفاض توليد الطاقة في كبرى الدول المُصدرة للنفط، وقلّ إنتاج توربينات الرياح للكهرباء، مما يجعل الغاز أكثر ضرورة، وتسبب في رفع أسعاره نحو 500% في غضون عام فقط.

كما تسبب التعافي الاقتصادي السريع لبعض الدول الكُبرى، بعد جائحة كورونا، في ركود بعد عام من تراجع استخراج الفحم والنفط والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى استنزاف الاحتياطي؛ بسبب سلسلة الأعاصير التي فرضت إغلاق مصافي النفط، ولا يمكن أن نغفل توتر العلاقات بين الصين وأستراليا، الذي أدى إلى وقف استيراد الفحم، وتسبب زيادة الطلب في الربع الأخير من العام الجاري، في أكبر سحب من مخزونات المنتجات النفطية في 8 سنوات.

وقال الدكتور حافظ سلماوي رئيس جهاز تنظيم مرفق الكهرباء السابق، إن 4 أسباب أدت إلى هذه الأزمة؛ أبرزهم انخفاض معدلات طاقة الرياح خلال العام الجاري بنسبة 40%، وهو رقم كبير يمثل جرس إنذار، خاصة وأن نسبة طاقة الرياح تُشكل عنصر كبير من إنتاج الطاقة والكهرباء في أوروبا؛ فتمثل طاقة الرياح أكثر من 30%، وعند انخفاض جزء يتم استعواضه بطاقة حرارية أو طاقة من الوقود.

وأضاف في تصريحات لـ«العقارية»، أن ما حدث هو استهلاك كميات ضخمة جدًا من احتياطيات الغاز في أوروبا، من خزانات الغاز المُسال، وبالتالي شهدت ارتفاع في الطلب، لاستعادة هذه الاحتياطيات التي تم استهلاكها.

وأكد «سلماوي» أن السبب الثاني، هو وجود توقعات بأن يكون الشتاء القادم قارسًا، بالتالي سترتفع معدلات الاستهلاك، بالإضافة إلى مطالب استعواض الاحتياطيات، مما رفع الطلب على الغاز.

ولفت «سلماوي» إلى السبب الثالث وهو روسيا، باعتبار أنها مُصدّر كبير، والتي تشكل نحو 38% من واردات الغاز إلى أوروبا، وبعد أزمة أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» المُثير للجدل، ازداد الأمر تعقيدًا.

وبالنسبة لجائحة كورونا، كشف رئيس جهاز تنظيم مرفق الكهرباء السابق، عن أنها السبب الرابع الذي صدّر هذه الأزمة، خاصة مع ضعف الطلب خلال العام الماضي، ثم بدأت تقل وطأة الأزمة، في ظل عدم جاهزية المنتجين لتقديم الإمدادات وعودة النمو، مما رفع المعدلات بشكل مفاجئ.

الطاقة تضع العالم أمام أزمة كبرى الشتاء القادم

في الواقع أصبحت البيوت في الكثير من الدول، تعتمد بشكل أساسي على الغاز الطبيعي في تدفئة منازلهم، ومع الدخول في طيات هذه الأزمة، أصبح الأمر مقلقًا مع اقتراب فصل الشتاء؛ حيث كشف أموس هوشستين كبير مستشاري وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون أمن الطاقة، لتلفزيون «بلومبيرغ»، عن هذه المخاوف؛ خاصة إذا كان الشتاء باردًا بالفعل، فإن ما يقلق هو عدم توفر ما يكفي من الغاز لاستخدامه في التدفئة في أجزاء من أوروبا، وهو ما يمس حياة الجميع.

وفي محاولات قد تبوء بالفشل، يدفع مستوردو الغاز الطبيعي المُسال في آسيا، أسعارًا قياسية، بهدف تأمين الإمدادات، وبدأ البعض -وخاصة الصين- في اقتناص أنواع الوقود الأكثر تلوثًا مثل الفحم، وعززت من استخدامه، وذلك بسبب عدم حصولها على ما يكفي.

وفيما يخص تعزيز استخدام الصين للفحم لمواجهة أزمة الطاقة، كشف «سلماوي» عن مدى خطورته، خاصة في ظل وجود خطط عالمية لتقليل استخدامه، واصفًا العودة له بـ«المؤشر السيء»، متوقعًا أن يكون ذلك لفترة مؤقتة، في ظل محاولات لتطوير بعض التكنولوجيات، مثل التقاط ثاني أكسيد الكربون المُنبعث من محطات إنتاج الفحم، وتخزينه تحت الأرض، موضحًا أن زيادة الطلب على الفحم مرة أخرى هو مؤشر «غير مرحب به».

هل تهدد أزمة الطاقة التعافي الاقتصادي العالمي؟

وأصدرت وكالة الطاقة العالمية، تقريرًا، كشفت فيه عن توقعاتها لسيناريوهات مختلفة بشأن أسعار النفط في الأسواق العالمية، كاشفة عن أن أسعار الفحم والغاز غير المسبوقة، وكذلك الانقطاعات المستمرة للتيار الكهربائي، تدفع قطاع الطاقة والصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، إلى التحول إلى النفط؛ وذلك لإبقاء استمرارها وتواصل العمليات.

وتوقعت الوكالة أن يضيف هذا الارتفاع في الأسعار إلى الضغوط التضخمية، التي قد تؤدي إلى انخفاض النشاط الصناعي، وتباطؤ التعافي الاقتصادي للدول، خاصة بعد بدء تعافيها من جائحة كورونا.

ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، فإن التعافي الاقتصادي من الجائحة «غير مستدام»، وشديد الاعتماد على الوقود الأحفوري، وأن الاستثمار في الطاقة المتجددة، يحتاج لأن يزيد لثلاثة أمثاله بحلول نهاية العقد الحالي، إذا كان العالم يأمل في مكافحة تغير المناخ بشكل فعّال.

وتوقع «سلماوي» في تصريحاته، بأن تكون هذه أزمة «عابرة»، ولا تعبر عن مشكلة دائمة؛ وذلك نظرًا لوجود وفرة في السوق، خاصة وأن الطاقات المتجددة ستظل مستمرة، وخلال 3 أو 4 أشهر فقط ستشهد أوروبا انتهاءً لها، وسيستعيد المنتجون عافيتهم، مؤكدًا أنها في النهاية عناصر طارئة، من الممكن أن يكون لها تأثير بسيط، ولكن ليس ممتدًا، من الممكن أن يؤخر التعافي الاقتصادي لبعض الدول بعد جائحة كورونا، ولكن سيكون تأثيره بسيطًا.

وتابع: «لا يمكن أن نعتبرها أزمة عالمية، هي إلى حد كبير مرتبطة بأوروبا، وشرق آسيا، التي تعاني أيضًا من ارتفاع في أسعار النفط، ولكن أمريكا والشرق الأوسط لا يعانون؛ فأمريكا هي أكبر منتج للغاز في العالم».

أزمة الطاقة في الشرق والغرب

لم تكن قارة آسيا هي المصدر لأزمة كورونا فقط؛ بل وأطلت على العالم ببدايات أزمة الطاقة؛ وذلك على خلفية ارتفاع أسعار الفحم؛ فواجهت أكثر من نصف مقاطعات الصين، قيودًا على إمدادات الكهرباء، التي تؤثر بالفعل على إنتاج البلاد وصادراتها، وعلى الفور بدأت الحكومة في حِزمة من الإجراءات العاجلة، إلا أن الصناعة والسُكان عانوا من انقطاع حاد في الكهرباء، في عدد من المقاطعات الشمالية، التي تتعرض لطقس بارد، وتبعتها الهند، التي عانت مخاض الأزمة حتى اليوم.

ولم يسلم الشرق؛ فغرقت لبنان في الظلام الدامس؛ حيث يشهد سُكانها انقطاعًا حادًا في الكهرباء، واختفاء للبنزين والغاز الطبيعي، بسبب الارتفاع الجنوني لأسعار الطاقة، نتيجة أزماتها الاقتصادية، وربما لن تكون تلك هي آخر منطقة أو دولة سنسمع منها قريبًا هذه الأخبار.

روشتة علاج

ويلتقي قادة العالم في قمة تاريخية حول المناخ ببريطانيا، الشهر المقبل، ستجعل الطاقة بوصلة اللقاء تتجه نحو الأزمة، في محاولة لخلق «ثورة طاقة خضراء»، تنقذ البشر.

وأوضح «سلماوي» أن التقارير الدولية أثبتت أن ما يتم بذله من مجهودات بشأن التغيرات المناخية «غير كافي»، وفي حالة استمرار المعدلات كما هي، سنتوقع أن تكون الزيادة بنهاية القرن 4 درجات مئوية، وليس ما نستهدفه وهو درجتان فقط، مما يكشف أن ما تقدمت به بعض الدول من خطط غير كافي، والمطلوب من هذه الدول مراجعة مخططاتها، لتصبح أكثر طموحًا، مؤكدًا توقعاته بوجود العديد من الضغوط، للنظر في عدد من الخطط التي تقدمت بها بعض الدول لتحسين المناخ، مثل أوروبا والصين.

وشدد على ضرورة استغلال القمة المناخية التي ستُعقد في بريطانيا الشهر المقبل «كوب 26»، بحضور 51 دولة، لإجراء محادثات مناخية «حاسمة» بشأن الأمر.

واستطرد «سلماوي» بأن الطاقات المتجددة نظيفة، ولكن من الواضح أن التغيرات المناخية من الممكن أن يكون لها تأثيرًا واضحًا في بعض الدول، مما يستلزم وجود تطوير تكنولوجيات تخزينها طويلة الأمد، واعتبار أن ما حدث في أوروبا يُعد أحد الدروس، الذي يجعلنا اكثر اهتمامًا بتطوير هذه التكنولوجيا ودراستها من جديد.