الدول المتقدمة قلقة.. صعود العملات الناشئة ينذر بتغيير موازين القوة الاقتصادية


الجمعة 12 مارس 2021 | 02:00 صباحاً

على الرغم من أن سرعة ونطاق عمليات التطعيم الجارية لمكافحة فيروس كورونا في الدول الناشئة لا يزالان محل جدل ونقاش، إلا أن أغلب التقديرات تشير إلى أن الأوضاع قد تتحسن في النصف الثاني من العام الجاري.وتترافق تلك التقديرات مع توقعات إيجابية من قبل كثير من المحللين بشأن مستقبل عملات الاقتصادات الناشئة وقيمة الأسهم المتداولة في أسواقها المالية هذا العام.وفي الواقع فإن بعض الخبراء يقرأون مشهد التحسن المتوقع في قيمة عملات الاقتصادات الناشئة بحسبانه نتاجا للأداء السلبي المرجح للدولار الأمريكي في عام 2021 أكثر من ارتباطه بجودة أداء العملات الناشئة في حد ذاته.وغالبا ما ترتبط دورة ضعف الدولار بقفزة كبيرة في عجز الحساب الجاري للولايات المتحدة الأمريكية، ويبدو أن المسار مهيأ بشكل جيد لأن يشهد الاقتصاد الأمريكي مزيدا من العجز المالي والعجز في الحساب الجاري هذا العام نتيجة سياسة الإنفاق المالي الراهنة.وفي حال حدوث سيناريو تراجع قيمة الدولار، فمن المفترض أن يساعد ذلك أصول الأسواق الناشئة بشكل عام، خاصة مع اعتقاد بعض الخبراء أن مجموعة كبيرة من عملات الأسواق الصاعدة مقيمة حاليا بأقل من قيمتها الحقيقية، نتيجة الأضرار الاقتصادية التي لحقت بها مع تفشي وباء كورونا وسياسات الإغلاق الصارمة التي اتخذت من قبل الدول المتقدمة، فأغلقت أبوابها أمام السلع المستوردة من الأسواق الناشئة.وفي هذا السياق، يقول الخبير المصرفي إل. سي ريس، "انخفاض أسعار الفائدة في الأسواق المحلية في عديد من الاقتصادات الناشئة لدعم القدرة الاستثمارية والتوسع الرأسمالي للشركات قد أضعف قيمة عملتها المحلية".مع هذا تذهب ترجيحات أخرى إلى أن أداء الأسواق الناشئة في هذا العام، قد يكون مختلطا بعض الشيء، مع اتجاه عام إيجابي قد يرفع من قيمة أسهم تلك الأسواق.و " يعلق المحلل الاستراتيجي في بورصة لندن أليوت وليام قائلا، "تقييمات الأسواق الناشئة لهذا العام جذابة، وعديد منها تعامل مع الوباء بشكل جيد، وإذا أخذنا في الحسبان أن التكنولوجيا باتت جزءا رئيسا من قصة نهوض الأسواق الناشئة حيث يمثل القطاع التكنولوجي ما يقرب من 20 في المائة من مؤشر إم إس سي أي للأسواق الناشئة مقابل 10 في المائة عام 2007 حيث كان قطاع السلع يمثل ما يقرب من ثلث المؤشر، فإننا اليوم أمام اقتصادات لديها ما ترتكن عليه حتى في أوقات الأزمات".ويضيف "مع استمرار المؤشر في الابتعاد عن تدفقات السلع ذات الطابع المتقلب، فإن المستثمرين باتوا على استعداد لتقييمات أفضل للأسهم المتداولة في الاقتصادات الصاعدة، التي يتوقع أن ترتفع 8 في المائة تقريبا أو تحوم حول هذا الرقم في عام 2021".لكن تلك النظرة الإيجابية قد تتآكل في ظل الارتفاع المتواصل في أسعار الشحن والطاقة والغذاء، إذ يوجد ذلك مخاطر تضخم صعودي على المدى القصير، فالمؤشرات المرتبطة بتراجع سياسات الإغلاق مع استمرار عمليات التطعيم قد يؤدي إلى زيادة في الطلب العالمي.ويبدو ارتفاع الأسعار أو التضخم وشيكا في عديد من الاقتصادات الناشئة، وسينعكس هذا ليس فقط على قيمة الأسهم في بورصات الأسواق الصاعدة، وإنما سيترك بصماته أيضا على كثير من عملات تلك الاقتصادات.هانز سميث محلل مالي في بنك إنجلترا يوصي بشراء العملات المدعومة من البنوك المركزية المتشددة أو عملات الاقتصادات الناشئة التي لديها ميزان مدفوعات قوي.رويقول ، "الكورونا التشيكية والوون لكوريا الجنوبية واليوان الصيني، إلى جانب عملات الدول المصدرة للنفط كلها مجال جيد للاستثمار هذا العام، وبصفة عامة فإنه في بيئة تشهد ارتفاعا في معدلات التضخم، فإن الأسواق تفضل الاقتصادات التي تتمتع بالمرونة في مواجهة تكاليف التمويل المرتفعة مثل روسيا، السعودية، والإمارات".وتتفق وجهة النظر تلك مع ربط بعض الخبراء تقديرهم لتحسن قيمة عملات الأسواق الناشئة بوضع السيولة المالية العالمي، فتحسن سيناريو السيولة العالمي نتيجة التوسع النقدي من قبل المجلس الفيدرالي الأمريكي والمصرف المركزي الأوروبي، وترافق ذلك مع انخفاض شديد في أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة، بل تبني بعضها أسعار فائدة سلبية، يجعل الأسواق الناشئة مركز جذب للتدفقات العالمية، حيث لا تزال العوائد جذابة إلى حد ما مقارنة بالاقتصادات المتقدمة.وتضيف الدكتورة كارين كولني أستاذة اقتصادات البنوك بكلية التجارة جامعة أباردين، "عديد من الاقتصادات الناشئة عملت على زيادة احتياطاتها من الدولار الأمريكي بشكل ملحوظ، ما منح عملاتها المحلية حماية مناسبة ضد الضغوط المحتملة على العملة الوطنية، وإذ يعتقد أن الدولار الأمريكي لديه مجال أكبر للانخفاض هذا العام نظرا للإنفاق المالي الأمريكي الضخم والسياسة النقدية شديدة المرونة من المجلس الفيدرالي، فإن جميع تلك العوامل مفيدة لمصلحة الاقتصادات الناشئة وتحديدا لمصلحة عملتها الوطنية".لا شك أن جزءا ملحوظا من الأداء الجيد المتوقع لعملات الاقتصادات الناشئة هذا العام سيستمد من قوة اليوان الصيني، فنهوض اليوان يساعد على رفع القدرة التنافسية للشركاء التجاريين للصين. لكن هل سيقابل نهوض عملات الأسواق الناشئة بترحيب من الاقتصادات الرئيسة في العالم؟ وما موقف العملات الدولية كالدولار واليورو والين والاسترليني والفرنك الفرنسي من أي نهوض يمكن أن تحققه عملات الأسواق الصاعدة؟تتباين إجابات الخبراء وتختلف بشأن تقييمهم لردود الفعل المتوقعة. فبينما يرى البعض أنه سيتم الترحيب بتلك الخطوة من قبل الاقتصادات الرئيسة، من منطلق أن قوة الاقتصادات الناشئة ومن ثم قوة عملاتها سيوجد أسواقا أكثر قدرة على استيعاب صادرات الدول الأكثر تقدما، وسيمنحها فرصة لتحسين ميزانها التجاري، وإيجاد مزيد من التوازن لملتزماتها ، فإن آخرين يعتقدون العكس.الخبير المصرفي تومبسون نايتلي يرى أن ارتفاع قيمة العملات الناشئة سيوجد شعورا بالقلق لدى مراكز صنع القرار في الاقتصادات الرئيسة المسيرة للاقتصاد الدولي.ويقول، "تحسن وضع العملة الوطنية في مواجهة العملة الدولية، في الأغلب ما يكون مؤشرا على وضع اقتصادي عام يتسم بالنمو والقدرة على حشد الطاقات لتحقيق التنمية ، ومن ثم ارتفاع قيمة عملات الاقتصادات الناشئة وزيادة قدراتها الشرائية في مواجهة الاقتصادات المتقدمة، يمكن أن يحفز عديدا من الشركات والخبرات المتراكمة في الدول المتقدمة على الانتقال لممارسة النشاط الاقتصادي في تلك الدول، وهذا يؤدي إلى تغيير موازين القوة الاقتصادية الراهنة لمصلحة الاقتصادات الناشئة، ويصعب على الاقتصادات المتقدمة القبول بذلك".