بعد قرارات أمريكا لمواجهة تداعيات كورونا.. المؤسسات الدولية تحذر من السياسات التوسعية غير المدروسة


السبت 06 مارس 2021 | 02:00 صباحاً

تسببت حزمة التحفيز التى أعلن عنها الرئيس الأمريكى الجديد جو بايدن فى إثارة الجدل فى المجتمعات الاقتصادية عالمياً خلال الأسبوع الماضى، حيث اختلفت آراء المحللين والخبراء بين مؤيد ومعارض لحجم هذه الحزمة التى وصفوها بـ«التاريخية»، حيث أوضح الخبراء أنه على الرغم من أهمية هذه الحزمة فى تحفيز الاقتصاد الأول عالمياً للتعافى من تبعات فيروس كورونا والابتعاد بشكل أو بآخر عن حافة الركود، فإن هذا الرقم الضخم قد يؤدى إلى الوقوع فى خطر التضخم الذى من شأنه أن يلتهم أى تحفيز أو نمو فى الاقتصاد.

وتوقع صندوق النقد الدولى أيضاً أن تؤدى حزمة تحفيز الاقتصاد الأمريكى التى تقترحها إدارة الرئيس الأمريكى إلى زيادة التضخم، مشيراً إلى أنه يبحث بصورة متأنية المسألة الخاصة بمخاطر التضخم نتيجة حزمة التحفيز الاقتصادى الأمريكية، التى تقترحها إدارة الرئيس جو بايدن بقيمة 1.9 تريليون دولار بما يُعادل 9% من إجمالى الناتج المحلى للولايات المتحدة، والتى إذا تكاملت مع 900 مليار دولار من المساعدات الوبائية التى تمت الموافقة عليها فى ديسمبر، تعنى أن أمريكا تنفذ أكبر زيادة تاريخية فى الإنفاق، سواء من حيث القيمة المطلقة أو بالنسبة إلى عمق الفجوة الاقتصادية فى البلاد.

فى حين يتوقع مجلس الاحتياط الاتحادى الأمريكى أن يكون معدل التضخم الأمريكى خلال العام المقبل فى حدود 2.5%، والذى سيكون ضمن إطار عمل السياسة النقدية الجديدة التى تبناها مجلس الاحتياط فى العام الماضى بحسب جوبيناث، التى أشارت إلى اعتزام البنك المركزى الأمريكى السماح أحياناً لمعدل التضخم بتجاوز مستوى 2% سنوياً، حيث ناقش مسئولو مجلس الاحتياط الاتحادى الأمريكى الشهر الماضى سبل تمهيد الأجواء كى يتقبل الرأى العام تضخماً متوقعاً، كما أنهم أبدوا استعدادهم للإبقاء على سياسة التيسير النقدى من أجل إصلاح سوق العمل، متوقعين قفزات فى بعض الأسعار خلال الربيع. وعلى نفس الخطى، تقوم البنوك المركزية العالمية حالياً بأكبر تيسير نقدى تاريخياً بهدف إنعاش اقتصاديات دولها والخروج من تأثير الجائحة، فبحسب المحللين الاقتصاديين فى مؤسسة «بنك أوف أمريكا جلوبال ريسيرش» فإن البنوك المركزية فى العالم خفضت حتى نهاية يوليو الماضى أسعار الفائدة 164 مرة خلال 147 يوماً وضخت 8.5 تريليون دولار لتحفيز الاقتصادات. كما تُشير تقديرات بنك «جيه. بى مورجان تشيس» إلى أن متوسط سعر الفائدة فى العالم حالياً يبلغ 1%، فى حين انخفض المتوسط لأول مرة عن صفر فى المائة فى الاقتصادات المتقدمة.

ويأتى التخوف الحقيقى من هذه السياسات التوسعية فى عالم شديد التواصل، وذى انتشار سريع للتأثيرات المحيطة؛ هل تعود معدلات التضخم لمستويات أزمة 2008 والتى قدرها البنك الدولى بـ8.83%، فى ظل حزم تحفيز متطرفة نسبياً وتعدت سياسات الخروج من الأزمات السابقة؟

بالنظر إلى معدلات التضخم الحالية فى أبرز التجمعات الاقتصادية، سنجد أن مجموعة الـ20، توضح مؤشرات التضخم أن الأرجنتين وتركيا وصلتا للحدود الخطرة عند 36.1% و14.6% على التوالى خلال يناير الماضى، بينما جاءت فى المنطقة الصفراء كل من السعودية عند 5.3% وروسيا عند 4.9% والهند عند 4.59% والبرازيل 4.52%، فيما تظل باقى دول المجموعة فى المنطقة الخضراء.

أما عن منطقة «اليورو»؛ فقد جاء التضخم فى أوروبا بعيداً عن الهدف الذى حدده البنك المركزى الأوروبى ويناهز 2%، ليعود التضخم للمعدلات الإيجابية، حيث سجلت أسعار السلع الاستهلاكية ارتفاعاً خلال يناير للمرة الأولى منذ يوليو، مدفوعة بارتفاع التكاليف فى ألمانيا، أكبر اقتصاد فى أوروبا.

وذكر مكتب الإحصاء «يوروستات» أن التضخم فى 19 دولة تستخدم اليورو بلغ 0.9% فى بداية 2021، فى قفزة كبيرة عن المعدل السلبى 0.3% فى الشهر السابق، كما أن معدل التضخم الأساسى الذى يستبعد الأسعار المتذبذبة للغاية مثل الطاقة والغذاء، قفز أيضاً ليصل إلى 1.4%.

محلياً؛ يسطر البنك المركزى المصرى تجربة تُدرس فى التعامل مع معدلات التضخم وقيادة أوركسترا السياسات النقدية خلال الجائحة، حيث تمكن المركزى من الوصول بمعدلات التضخم إلى مستويات قياسية من 33% فى يوليو 2017 ليصل إلى 4.3% الشهر الماضى، فضلاً عن الحفاظ على هذا المستوى القياسى خلال الأزمة الحالية، على الرغم من السياسات التوسعية التى تبناها بشكل استباقى والتى خفض خلالها الفائدة 400 نقطة أساس فى الفترة بين مارس ونوفمبر 2020.

ويأتى هذا التوازن الذى تمكن المركزى المصرى من تحقيقه، نتيجة سياساته المبتكرة، التى استهدفت قطاعات بعينها خلال الفترة الماضية، والتى اتبع فى تنفيذها افتراضات مبادئ الاقتصاد التى تركز على مكون واحد مع افتراض ثبات العوامل الأخرى، ليجنب بذلك تأثير التحفيز على القطاعات التى قد تتأثر سلباً منه وبالتالى ينعكس على التضخم. وكانت المبادرات الأداة الأبرز فى هذه السياسات، حيث قام بتخفيض الفائدة لتحفيز قطاعات استثمارية، أبرزها مبادرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى تمنح هذا النوع من الشركات المساهمة بمعدلات نمو حقيقية فى الاقتصاد، كما حفز القوة الشرائية بقطاع العقارات من خلال مبادرة التمويل العقارى، وغيرها من المبادرات التى خفض فيها أسعار الفائدة لتصبح أقل من المعدلات السائدة، مطبقاً افتراض «ثبات العوامل الأخرى» ليستخلص تأثير السياسات التوسعية على قطاعات تؤدى لنمو حقيقى وليس تضخماً.